بسم الله الرحمن الرحيم وأستعين بفضله الكريم الحمد لله خير الأسماء خافض الأرض ورافع السماء الذي أبتلى الخلق بأنواع البلاء وأصناف العناء كالفقر والغنى والغناء والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وسند الأصفياء وعلى آله وأصحابه نجوم الأقتداء والأهتداء وعلى أتباعه وأشياعه من العلماء والأولياء أما بعد فيقول أفقر عباد الله الغني الباري علي بن سلطان محمد القاري رأيت كثيرا من مشايخ الزمان وعلماء الدوران مالو إلى سماع الغناء وفق متابعة نزاع الهوى وعدلوا عن جادة الصراط المستقيم وطريق أهل الهوى وأحلوا من منكرات الدين ما أجمع على حرمته أئمة المجتهدين وأرباب المعرفه واليقين فاجبت أن أذكر ما يتعلق به من الكتاب والسنه وتقول الائمة من علماء الأمه لتكشف الغمة عن ارباب العمة فاعلم أن الله سبحانه قال في كلامه القديم ومن الناس من يشتري له والحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزؤا أولئك لهم عذاب مهين وإذا تتلى عليه آياتنا ولى متكبرا كان لم يسمعها كان في * وقرأ فبشره بعذاب أليم ففي هاتين الآيتين نهاية الوعيد وغاية التهديد لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد فمن يهوى إلى الغناء الموجب للعناء ويعدل عن سماع القرآن وما يتعلق به المقتضى لرفع الدرجات في دار البقاء فقوله من يشتري لهو الحديث أي نختار الكلام الذي يلهبه عن كلام الملك العلام وما يتعلق به من سائر الأحكام قال مجاهد يعني شرى المغنين والمغنيات فالمعنى من يشتري ذوى لهو الحديث ويريد ما ذكره البغوي في تفسيره معالم التنزيل بإسناده عن أبي أمامه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لايحل تعليم المغنيات ولا بيعهن واثمانهن حرام وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية ومن الناس من يشتري لهو الحديث أيضا عن سبيل الله وما من رجل يرفع صوته بالغناء الا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربان بارجلهما حتى يكون هو الذي يسكت وسنده أيضا عن إبن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن * الكلب وكسب الزماره قال مكحول وهو خير التابعين من أهل الشام من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها معتما عليه حتى يموت لم اصل عليه أن الله تعالى يقول ومن الناس من يشتري لهو الحديث الآية وعن عبد الله بن مسعود وإبن عباس والحسن البصري وعكرمه وسعيد بن جبير قالوا لهو الحديث هو الغناء والآية نزلت فيه ومعنى قوله يشتري لهو الحديث يستدل ونختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن وقال أبو البكري سألت إبن مسعود عن هذه الآية فقال هو الغناء والله الذي لا آله إلا هو يردد هائلا شعرات قال الواقدي وعليه أكثر المفسرين وقال تعالى افمن هذا الحديث تعجون وتضحكون ولا تبكون وأنتم ساجدون أي مغنون رواه عكرمة عن إبن عباس وهو الغناء بلغة حمير وقال عز وجل واستفزز من استطعت منهم بصوتك قال مجاهد هو الغناء والمزامير وقال عز وعلا والذين لايشهدون الزور قال محمد بن الحنفية هو الغناء وفي الترمذي نهينا عنه صوتين احمقين فاجرين فذكروا ولهما صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وفي صحيح البخاري تعليقا بصفة الجزم عن هشام بن عمار مرفوعا ليكونن من امتي قوم يستحلون الخمر والخنزير والمعازف والمعازف آله الغنا والحاصل أن الله سبحانه لم يشرع الغناء مفردا إلا يكون مع الدف والشبابه وغيرها من الآلات المطربه الا مالجى من الاستثناء في وقت العرس وحال الحداء في مسند الفردوس حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ابليس أول من ناح من تغنى وقد صح أن أبا بكر الصديق سماه مزمور الشيطان بحضوره عليه السلام فأقره ولم ينكر عليه وقال إبراهيم النخعي وهو من اجلاء التابعين من أهل الكوفه ومن جملة مشايخ أمامنا الأعظم وهمامنا الأقدم الغناء ينبت النفاق في القلب وكان أصحابنا يأخذون بافواه السكك ويخرقون الدفوف وقال الفضيل بن عياض وهو من اكابر التابعين وصلحائهم ومن تلاميذ أبي حنيفة وأصحابه الغناء رقبة الزناء وقال إبن جريح لهو الحديث هو الطبل وقيل الغناء منفذة للغنى ومحلية للللعنا ومفسدة للقلب ومسخطة للرب وعن إبن عباس وغيره من الصحابة والتابعين كل كلام سوى كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الصالحين فهو لهو وقال القشيري في تفسيره أن لهو الحديث كل ما يشغل عن الله ذكره ويحجب عن الله سماعه وفكره والمقترف بهمته والمتشبث بعلته لاتريده كثرة الوعظ الا نفورا عن * وتباعدا عن قربه فسماعه كلا سماع ووعظه هباء وضياع وفي التفسير المأثور المسمى بالدر المنثور أخرج أحمد والترمذي وإبن ماجه وإبن أبي الدنيا في ذم الملاهي وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم والطبراني وإبن مردويه والبيهقي عن أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاتبيعوا القينات ولا تشتهروهن ولاتعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية ومن الناس من يشتري لهو الحديث إلى آخرها وأخرج إبن أبي الدنيا في ذم الملاهي وإبن مردويه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله حرم القينه وبيعها وثمنها وتعليمها والاستمتاع اليها ثم قرأ ومن الناس من يشتري لهو الحديث وأخرج البخاري في الآدب المفرد وإبن أبي الدنيا وإبن جرير وإبن أبي حاتم وإبن مردويه والبيهقي في سننه عن إبن عباس لهو الحديث هو الغناء واشباهه وأخرج إبن أبي حاتم عن الحسن قال أنزلت هذه الآية ومن الناس من يشتري لهو الحديث في الغناء والمزامير وأخرج إبن أبي الدنيا والبيهقي في سننه عن إبن مسعود قال الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع والذكر بيت الأيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع وأخرج إبن أبي الدنيا والبيهقي في سننه عن إبن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل وأخرج إبن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن إبن مسعود قال إذا ركب الرجل الدابه ولرسيم ردفه شيطان فقال تغن فأن كان لا لحسن قال له تمن وأخرج إبن أبي الدنيا عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أحد الفقهاء السبعه من أهل المدينة واوحد الأجلاء التابعين أنه سئل عن الغنا فقال أنهال عنه واكرهه لك قال السائل احرام هو قال أنظر يا إبن أخي إذا ميز الله الحق من الباطل ففي أيهما تجعل الغناء لكن عن إبن جريح أنه كان يرخص في السماع فقيل له يؤتي به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك فقال لا في الحسنات ولا في السيئات لأنه شبيه باللغو قال تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فهو من المباحات وأما الطبلخانات فهو من البدع التي لا بأس بها إذا صحت النيه فيها ودعت الحاجه إليها وقد جوز الفقهاء الوصيه طبل الحرب وقالوا انه مما يرهب العدو لكن لم يكن في غزواته طبل قط فتركه تاسيانه عليه السلام أولى فأن الخير كله في اتباعه تركا وفعلا وأخرج بن أبي الدنيا والبيهقي عن الشعبي قال لعن الله المغنى والمغنى له وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى مودب ولله ليكن أول ما يعتقدون من ادبك بغض الملاهي التي به وها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمان وأخرج إبن أبي حاتم عن علي بن حسين قال * امه فيها البربط وأخرج الحاكم في الكنى عن عطاء الخراساني قال نزلت هذه الآية ومن الناس من يشتري لهو الحديث في الغناء والطبل والمزامير وروى الخطيب عن علي أنه عليه السلام نهى عن ضرب الدف ولعب الصنج وضرب الزماره وروى إبن عساكر عن أنس من قعد إلى قنية يسمع منها صب الله في اذنيه الآنك يوم القيامة وروى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان ابليس أول من ناح وأول من غنى وأخرج بن أبي الدنيا عن الحسن قال بن صوتان ملعونان مزمار عند نعمه ورنه عند مصيبه وأخرج إبن أبي الدنيا والبيهقي عن نافع قال كنت أسير مع عبد الله بن عمر في طريق فسمع زماره راع فوضع اصبيعه في اذنيه ثم عدل عن الطريق فلم يزل يقول يانافع اتسمع حتى قلت لا فاخرج اصبعيه من اذنيه وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فتأمل أيها المؤمن اللبيب أن قلب الحبيب مع كمال قربه من حضور ربه إذا كان سماع زماره الواعي يشغله عن ذكره وتأمل فكره فكيف يسع لغيره أن يستحسن سماع الزماره والرباب وأمثالها ممن هو مستعمل في مجالس الفساق عند انجسن أحوالها وانجس آمالها وما أحسن من قال من ارباب الحال أكره الدنيا لسرعة قنائها وكثرة عنائها * شركائها بل يتعين على ارباب الكمال أن يعقد بأنه عليه السلام في جميع الأفعال فأن تركة الصفا في الأحوال إنما يكون لقدر المتابعة الا ترى أن فتح العين في الصلاة مع كونه سبب التفرقه خير من غمضها مع تصور الحضور والجمعيه ثم المشايخ إنما يليق بهم أن يعملوا بالغرمة دون الرخصه ويكون جميع أعمالهم وفق السنة وترك الشهوة وما يكون أحوط في الدين هو طريق ارباب اليقين من المجتهدين نعم أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الغناء المجرد عن الاوتار والآلات في العرس والعيد ونحوها من الأوقات لاسيما إذا كان مشتملا على محاسن الكلمات فقد روى أبو نعيم عن عامر بن سعد قال دخلت على قرظة بن كعبه وثابت إبن يزيد وأبي مسعود الأنصاريين وإذا عندهم جوارة واشياء فقلت تفعلون هذا وانتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا أن كنت تسمع والافامض فأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لنا في اللهو عند العرس وظاهر هذا الحديث أن جواز اللهو في العرس من خصائص الأنصار ويدل عليه ما روى إبن ماجه عن عائشة أنه عليه السلام دخل علينا حين تزوجت ابنة أبي لهب قال ياعائشة أما كان معكم لهو فأن الأنصار يعجبهم اللهو وفي رواية آخرى له عنها أن الأنصار قوم فيهم غزل فلو ارسلتم من يقول اتناكم اتناكم فحيانا وحياكم ومثله عن إبن عباس وفي رواية الحاكم عنها هل كان معكم من لهو فأن الأنصار يحبون اللهو وفي رواية البخاري عنها أما كان معكم لهو فأن الأنصار يعجبهم اللهو وفي رواية أحمد عنها اهديتم الجارية فهلا بعثتم معها من يغنيهم نقول اتيناكم اتيناكم فحيونا نحييكم فأن الأنصار قوم فيها غزل وأما الدف فمباع في العرس ونحوه لقوله عليه السلام اعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد وأضربوا عليه الدفوف رواه الترمذي عن عائشة وفي معناه أوقات السرور لقدوم الغائب وولادة الولد وعند ختانه وحفظه للقرآن ويدل على هذا من النقل انشاد النساء على السطوح بالدف والالحان عند قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا مادعى لله داعى وقولهن نحن جوار من بني النجار وحينا محمد من جار وقد صرح بعض علمائنا بأن الدف إنما يكون مباحا في العرس إذا لم يكن فيه جلاجل على طبق دفوف السلف وروى أحمد عن عائشة أن يعض الجواري كن يغنين أيام عيد فنهاهن أبو بكر رضي الله عنه فقال صلى الله عليه وسلم دعهن يا أبا بكر فأنها أيام عيد لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة وأني أرسلت بالحنفية السمحة وروى إبن عساكر عن الشعبي قال مر عياض الأشعري بالاكبار في يوم عيد فقال مالي لا أراهم يقلسون فأنه من السنة وفي رواية مالي لا أراهم يقلسون كما كانوا يقلسون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوسف إبن عدي التقليسي أن يقعد الجواري والصبيان على فواه الطرق يلعبون بالطبل أو غير ذلك ومن الغنا المباح الحداد فقد ورى أبو نعيم عن أنس قال كان البراء بن مالك حسن الصوت وكان يرجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وروى أبو نعيم وإبن منده عن أبي الهيثم إبن التيهان عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الاكوع خذ لنا من هنائك تنزل يرتجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدى له في السفر وان انجشه كان يحد وبالنساء والبراء بن مالك كان يحد وبالرجال فنهال عليه السلام يا انجشه رويدك سومك بالقوارير وروى إبن ماجه عن أسلم قال سمع عمر رجلا يتغنى بغلاة من الأرض فقال الغنا من زاد الراكب وفي رواية له عن مجاهد قال كان عمر بن الخطاب إذا سمع الحادي قال لا تعرض بذكر النساء وأخرج إبن أبي الدنيا في الصمت عن العلاء بن زياد أن عمر كان في مسير فتغنى فقال هلا زجرتموني إذا لغوت وأخرج إبن ماجه وإبن عساكر عن حوات بن جبير قال خرجنا ممحا جامع عمر بن الخطاب فسرنا في ركب فيهم أبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف فقال القوم غننا ياحوات فغناهم فقالوا غننا من شعر ضرار فقال عمر دعوا أبا عبد الله يتغنى من * فواده يعنى من شعره فما زلت اغنيهم حتى إذا كان السحر فقال عمر أرفع لسانك ياحوات فقد اسحرنا هذا وروى الحكيم الترمذي عن أبي موسى مرفوعا من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين في الجنه قبل ومن الروحانيون قال فراء أهل الجنة وروى الديلمي إذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل أين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأبصارهم عن مزامير الشيطان ميزوهم فيميزمن في كتب المسك والعنبر ثم يقول للملائكة اسمعوهم تسبيحي وتمجيدي فيسمعون باسماع لم يسمع السامعون بمثلها قط وروى الطبراني والديلمي عن صفوان بن أمية أن عمرو بن قرة قال يارسول الله كتب علي الشقوة فلا أراني أرزقا لامن دقى فتأذن لي في الغنا من غير فاحشة فقال لا آذن لك ر كرامه ولا نعمة عين كذبت عدو الله لقد رزقك الله حلالا طيبا وأخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله ولو كنت تقدمت إليك لفعلت بك وفعلت قم عنى وتب إلى الله واوسع على نفسك وعيالك حلالا فأن ذلك جهاد في سبيل الله وأعلم أن عون الله مع صالحي التجار وأما عبد الله بن جعفر فأنه كان يكثر الغنا ولم يكن ذلك من محاسنه وغايته أنه كان يرى أباحته وتتواجد في السماع تواجدا عظيما على أنه إنما كان يسمع غالبا من جواريه أو من شخص لارسه في تلاقيه بغير آله وحيث أن المسألة خلافيه فليس قول فيها حجه على غيره وأماما وقع مثله من مقاربه في بيت عبد الله بن جعفر على غناء جوار لعبد الله إبن جعفر فسئل معاويه عن ذلك فقال أن الكريم طروب فأن صح فمعناه أن ذا الطبع السليم والقلب القديم يؤثر فيه المطربات ويستفزه من غير قصد اللهوات وكان ذلك منه اعتذارا عن الحركه التي صدرت منه على غير * ومعاوية لم ينقل عنه اعداؤه مع كثرتهم وتتبعهم لعورته أنه كان يسمع الغناء ويؤثره مع كمال قدرته عليه وكره فلا ينكر لده سماع الصوت الدقيق بالشعر الدقيق وإنما يعدنا عن عن استماعه علمنا مافيه من الضرر الباطن والظاهر وكم من عاقل يترك ما يستلذه ويستطبيه خشة الوقوع في ضرر بصيبه وفي فتاوى قاضي خان أما استماع صوت الملاهي كالضرب بالقضيب ونحو ذلك حراه ومعصية لقوله عليه السلام استماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها من الكفر إنما قال ذلك على وجه التشدد وأن سمع بغته فلا أثم عليه ويجب عليه أن يجتهد كل الجهد حتى لا يسمع لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل اصبعه في اذنيه انتهى ومما يؤيد كلام ائمتنا ما رواه الطبراني والخطيب عن إبن عمر أنه عليه السلام نهى عن الغناء والاستماع إلى الغناء وعن الغيبه والاستماع إلى الغيبه وعن النميمة والاستماع إلى النميمه والخطيب عن علي أنه نهى عليه السلام عن ضرب الدف ولعب الصنج وضرب الزماره والصنج أله من صفر يضرب أحدهما على الآخر والزماره أله ذات أوتار كذا في النهاية ثم لايخفى أن قوله والتلذذ بها من الكفر يوضح به الحديث يمكن أن يحمل على معنى الاستحلال بها فوضع موضعه لأنه غالبا سببه قال وأما قراءة اشعار العرب ما كان فيها من ذكر الفسق والخمر والعلام فمكروه لأنه ذكر الفواحش انتهى وقوله مكروه أي كراهة تحريم كما يدل عليه قوله لأنه ذكر الفواحش ثم تقييده باشعار العرب اشعار بأن اشعار العجم بالأولى أو يساويه فيكون التقييد به مثلا لا مفهوم له ثم أعلم أن الغناء على ثلاثة أقسام قسم ساذج بغير آلة مع سلامة القول من الفتنة والملامه فذهب قوم الى اباحته من غير الكراهة ونقل هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين في الدين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم وأختاره القشيري وحكى الغزالي الاتفاق عليه وهو مذهب الظاهرية حكاه إبن حزم وصنف فيه ونقل أجماع الصحابة والتابعين عليه ونقل جوازه صاحب النهاية في شرح الهداية وقال بعضهم إذا كان لدفع الوحشه عن النفس فلا بأس به وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي وأستدل عليه بأن انشأ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك وأختاره من متأخري الأئمة منهم الأمام عز الدين بن عبد السلام الشافعي والأمام تقي الدين بن العيد والأمام بدر الدين بن جماعة ومن العلماء من قسمه إلى مباح ومستحب وجعل من المستحب الغناء في العرس ونحوه والمباح في ما سوى ذلك وهذا هو الأظهر لما قدمنا هنالك وأما ما نقله الطبري عن أبي حنيفة أنه يكره ذلك ويجعل سماع الغناء من الذنوب وكذلك سائر أهل الكوفة سفيان الثوري وحماد وإبراهيم والشعبي فينبغي أن يحمل على الغناء المقرون بالحان الغساف أو مع الآلات المحرمه والقسم الثاني وهي سماع الغنا بالأوتار وسائر المزامير فالمشهور من مذاهب الأئمة الأربعة أن الضرب به وسماعه حرام وحكى عن بعض المالكية والشافعية أباحته وبه قال شرذمة من السلف وقد أستدل القاضي أبو الطيب الطبري عن الأئمة الأربعة وجماعة من العلماء بالفاظ على أنهم راوا تحريمه وكذا ذكر العلامه إبراهيم بن جماعة المقدسي الشافعي في افتائه السماع فقال فأما أبو حنيفة فمذهبه فيه اشد المذاهب وقوله فيه أغلظ الأقوال وقد صرح أصحابه بأن استماعه فسق والتلذذ به كفر وليس بعد الكفر غايه وأما ملك فأنه لما سئل عنه قال إنما يفعله عندنا الفساق وفي كتب أصحابه إذا أشترى جاريه فوجدها مغنية فله أن يردها بالعيب وأما أحمد بن حنبل فأن ابنه عبد الله سأله فقال يابني الغناء بيت النفاق في القلب ثم ذكر قول مالك إنما يفعله عندنا الفساق وأما الشافعي فقد قال في كتاب أدب القضاء أن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل وقال لأصحابه بمصر خلفت ببغداد شيئا احدثته الزنادقة يسمون التغبير يصدون به الناس عن القرآن فإذا كان هذا قوله في التغبير وهو عبارة عن شعر مزهد في الدنيا إذا غنى به المغنى ضرب بعض الحاضرين بقضيب على نطع أو مخده ضربا موافيا للاوزان الشعرية فليت شعري ماذا يقول في السماع الواقع في زماننا فأنه إنما يغنى فيه بالشعر الرقيق المشتمل على القدود والخدود والنهود والشعور والخصور والفاسق والمفسوق والوصل والهجر والأقبال والصد فمن قال باباحة هذا النوع فقد أحدث في دين الله ما ليس منه وأحسن الأقسام أن يسمع المرء ابياتا بديعه من رجل صالح بتخزين فيبيح له بكاء وحزنا على انقطاعه عن باب مولاه فيستيقظ بذلك عن الغفلة في أمر دينه ودنياه ولو أنه تغنى بالقرآن وحسن به صوته أو سمعه من مقري مطرب ذي قلب منيب لاتنفع به اضعاف نقصه بالاشعار وهذا كان سماع الصحابه ووفيهم نزل وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى اعينهم تقبض من الدمع مما عرفوا من الحق وفي موضع آخر تقشعر منه بجلود الذين يخشون ربهم ثم يلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله وقد روى أن أبا بكر الصديق كان إذا قرأ القرآن لايتمالك من البكاء وكان عمر يمر بالآية في ورده تخنقه العبرة ويسقط ويلزم البيت اليوم واليومين حتى يعاد ويحسد مريضا وهذا سماع السلف بخلاف الخلف ولهذا قال الجنيد إذا رأيت المريد بطلب السماع فاعلم أن فيه * للبطاله وكان الفضيل يسميه رقنه الزنا وقد امتنع الجنيد من السماع لما فقد أهله من الأصحاب والأحباب وقال الذين كنا نسمع منهم صاروا تحت التراب وقد قال الشافعي ما تصوف أحد بكرة النهار الا وحمق قبل العصر يعني فيقع في الدعوى بدون المعنى ويقول مايصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الخلاق ولنا علم الخرق وله علم الورق ومن حماقته لم يدر أنه لو لا عبد الرزاق وأمثاله من الحفاظ الحذاق لما عرف هذا المغرور كيف يستحي بالاتفاق والقسم الثالث الغناء المقارن للدف والشبابه وهي القصبة المنقبه وأختلف العلماء فيه فذهبت طائفة إلى التحريم وعليه الجمهور من الأئمة الأربعة وهو مختار النووي ومن تبعه من الشافعية وذهبت طائفة إلى الاباحة وهو مختار جماعة من الشافعية كالرافعي والغزالي والأمام عز الدين بن عبد السلام وطائفة آخرى من الاعلام وقد قال إبن دقيق العيد لما سئل عن هذا فقال لم يرو حديث صحيح على منعه ولا حديث صحيح على جوازه فهذه مسألة اجتهادية فمن اجتهد واداه اجتهاده إلى التحريم قال به ومن اجتهد واداه اجتهاده الى الجوازية قال به وأما الرقص مع أنه نوع من النقص فذهبت طائفة الى الكراهة وذهبت طائفة الى الاباحة منهم الرافعي والغزالي والنووي وذهبت طائفة الى التفرقة بين ارباب الأحوال فيجوز لهم ويكره لغيرهم وهذا القول هو المرضي عند جمهورهم وعليه أكثر الصوفية ولهذا قال الجنيد الناس في السماع على ثلاثة أضرب العوام والزهاد والعارفون أما العوام فحرام عليهم لبقاء نفوسهم وأما الزهاد فيباح لهم لحصول مجاهدتهم وأما أصحابنا فيستحب لهم ومما يدل على رخصة الرقص واباحته في الجملة ماروته عائشة رضي الله عنها في الصحيح من رقص الحبشه في المسجد يوم عيد وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاها فوضعت رأسها على منكبه قال فجعلت أنظر إليهم حتى كنت أنا الذي انصرف عن النظر إليهم وكذا ماروى أن جعفر أو عليا وزيد حجلوا لما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال من الثناء عليهم فقال لعلي رضي الله عنه أنت مني بمنزلة هارون من موسى وقال لجعفر اشبهت خلقي وحلقي وقال لزيد أنت منا ومولانا ثم أعلم أن ارتكاب الصغيرة لا يقدح في الولاية وإذا تكررت ورفعت إلى الحكام لا يعزرون عليها لانهم اولى من سترت عورته واقبلت عثرته قاله الأمام عز الدين بن عبد السلام ومن ارتكب أمرا فيه خلاف لايعزر عليه لقوله عليه السلام ادرؤا الحدود بالشبهات وقال الإمام الشافعي أن الله لايعذب علي لعل اختلف العلماء فيه ومعلوم من مذهب أهل السنة والجماعة أنه لايكفر أحد * من أهل القبله وأختلاف الأئمة رحمة في هذه الأمة قال تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج وقد ورد بعثت بالحنفية السمحة وقال الإمام إبن عبد السلام أن الله تبارك وتعالى لم يوجب على أحد أن يكون حنفيا أو مالكيا أو شافعيا أو حنبليا وإنما الواجب عليهم اتباع الكتاب المنزل والنبي المرسل ومن اقتدى بقول عالم فقد سقط عنه الملام والسلام قلت لقوله تعالى فسئلوا أهل الذكر أن كنتم لاتعلمون ولقوله عليه السلام أصحابي كالنجوم باعهم اقتديتم افتديتم ولقول بعض مشايخنا من تبع عالما لقى الله سالما ثم أعلم أن الله تعالى يقول فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الألباب وقال عز وجل وإذا سمعوا ما أنزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق الأمة فهذا السماع هو السماع الحق الذي لم يختلف فيه اثنان من أهل الأيمان محكوم لصاحبه بالهداية والإحسان وقد قال سبحانه الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله وقد قال علام الغيوب الا بذكر الله تطمئن القلوب وقال إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وحليت قلوبهم وقال لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وروى أن إبن عمر ربما مر باية في ورده فتخنقه العبرة ويسقط ويلزم البيت اليوم واليومين حتى يعاد ويحسب مريضا وروى زيد بن أسلم قال قرأ أبي إبن كعب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتنموا الدعاء عند الرقه فأنها الرحمة وروت أم كلثوم أنه عليه السلام قال إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحانت عنه الذنوب كما تحات عن الشجرة اليابسة ورقبها وهذه جملة لاتنكر ولا اختلاف منها بين الأعيان وإنما الأختلاف في سماع الاشعار بالالحان وقد كثرت في ذلك الأقوال وتفاوتت فيه الأحوال فمن منكر يلحقه بالفسق المطلق ومن متولع به يشهد بأنه واضح الحق فوقعا في طرفي التفريط والافراط وبعدا عن بساط الانبساط ففي عوارف المعارف أما الدف والشبابه وأن كان في مذهب الشافعي فيهما فسحة فالأولى تركهما وأما غير ذلك فأن كان من القصائد في ذكر الجنة والنار والتشويق إلى دار القرار ووصف نعم الملك الجبار وذكر العبادات والترغيب في الخيرات فلا سبيل إلى الأنكار وأما ما كان فيه من ذكر القدود والخدود ووصف النساء فلا يليق بأهل الديانات من العلماء والصلحاء الاجتماع لمثل ذلك وأما ما كان من ذكر الهجر والوصل والقطيعه والصد والفصل مما تعرب حمله على أمور الحق سبحانه وتعالى من تلوث أحوال المريدين ودخول الآفات على الطالبين فمن سمع ذلك وحدث عنده ندم على ما فات أو تحدد عنده عزم لما هو آت فلا وجه للأنكار على من هذا حاله من الأبرار وقد قيل في قوله تعالى يزيد في الحلق ما يشاء الصوت الحسن وقال عليه السلام لله اشدادنا بالرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب قينة إلى قينة وورد في مدح داود عليه السلام أنه كان حسن الصوت بالنياحه على نفسه وتلاوة الزبور حتى كان يجتمع اليه الأنس والجن والطير لسماع صوته وكان يحمل من مجلسه أربعمائه جنازة وقال عليه السلام في مدح أبي موسى الأشعري لقد أعطى مزمارا من مزامير آل داود ودخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده قوم يقرون القرآن وقوم ينشدون الشر فقال يارسول الله قرآن وشعر فقال من هذا مرة ومن هذا مرة وأنشد النابغة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ابياته إلى * ولا خير في حلم إذا لم يكن له بوادر تحمى صفوة أن يكدرا ولا خير في أمر إذا لم يكن له حكيم إذا ما أورد الأمر اصدارا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنت يابا ليلى لا يفضض الله فاك أي لا يسقط اسنانك والغض الكسر بالتفرقة فعاش أكثر من مائة سنة وكان أحسن الناس ثغرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرأ في المسجد فيقوم على المنبر قائما يهجو الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول النبي عليه السلام أن روح القدس مع حسان ما دام * أو يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جعل الترمذي في الشمائل بابا فيما انشده رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما انشد لديه وقد بسطت الكلام في شرح الوسائل عليه وقد قال عليه السلام أن من الشعر لحكمة وانشدت عائشة وذهب الذين يعاش في اكنافهم وبقيت في خلف كجلد الاجرب وروى في الصحيحين عن عائشة أنها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال وكان بها وباء فقلت يا ابه كيف تجدك ويا بلال كيف نجدك فكان أبو بكر إذا اخذته * يقول كل امرئ * في أهله والوت ادنى من شراك نعله وكان بلال إذا اقلعت عنه الحمى يرفع عقيرته أي صوته يقول الا ليت شعري هل * بواد وحولى اذخر وجليل وهل اردن يوما مياه مجنة وهل يبددن لي شامة وطنبل قالت عائشة فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكه أو أشد وانقل حماها فاجعلها في الحجة وكان صلى الله عليه وسلم ينقل الأبن مع القوم في بناء المسجد وهو يقول هذا الجمال لاحمال خيبر هذا ابن ربنا واظهر وقال الفا مرة أخرى اللهم أن العيش عيش الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم قصيده بانت * من شعر كعب بن زهير في المسجد من أولها إلى آخرها وقد تصرف في بعضها واوصله برده لاجلها وفي العوارف لكن لايليق الرقص بالشيوخ ومن يقتدى به لما فيه من مشابهة اللهو وأما الصيحة فحكى أن الشبلي سمع قائلا يقول اسائل عن سلمى فهل من مخبر يكون له عبر بها أين ننزل فزعق وقال والله ما في الدارين عنه مخبر قال قال القايل هذه الهيه من الاجتماع بدعة فيقال له إنما البدعة المحذورة الممنوع عنها بدعه تزاحم سنة مأثورة وما لم يكن هكذا فلا بأس به وهذا كالقيام للداخل إذا لم يكن بل كان من عادة العرب ترك ذلك حتى تقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل ولا يقام له وفي البلاد التي هذا القيام عادتهم إذا اعتمد ذلك لتطيب القلوب والمدارة لابأس به لأن تركه يوحش الصدور ويصعب الأمور فيكون ذلك من قبيل العشرة وحسن الصحبة مع الخلق لأحجل الحق في دوام الالفه كما قيل ودارهم مادمت في دارهم وارضهم مادمت في ارضهم هذا وقد نقل عن الشافعي أنه قال في كتاب القضاء الغناء لهو مكروه يشبه الباطل وقال من استكثر منه فهو سنه ترد شهادته ونقل عن الشافعي أنه كان يكره الطقطقه بالقضيب ويقول وضعته الزنادقة لتشغلوا به عن القرآن قلت ومنه قوله تعالى أخبارا عن أهل الكفر والكفران وقال الذين كفروا لاتسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون وقوله سبحانه وإذا ذكر الله وحده اشمازت قلوب الذين لايؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون وعند مالك إذا اشترى جارية فوجدها مغنية فله أن يردها بالعيب وهو مذهب سائر أهل المدينة وهكذا مذهب أبي حنيفة قال السهروردي ومن الذنوب سماع الغناء وما أباحه الانفر قليل من الفقهاء ومن اباحه أيضا لم ير اعلانه في المساجد والبقاع الشريفة والمشاهد المنيفة وأما ما احدثه بعض المتوفة في زماننا من ضرب الآف مع ذكر الله سبحانه وصفاته أو مع نعت النبي وصلاته فلا شك أنه من البدع المحرمه لما فيه من خلط اللهو بالعباده فهم من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وقال بعضهم اياك والغناء فانه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر قال صاحب العوارف وهذا الذي ذكره هذا القائل صحيح لان الطبع الموزون يفيق بالغناء والاوزان ويستحسن صاحب الطبع عند السماع مالم يكن يستحسنه من الفرقعه بالاصابع والتصفيق والرقص ويصدر منه افعال على سخافة العقل وروى عن الحسن أنه قال ليس الآف من سنة المسلمين والذي نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع الشعر لايدل على اباحة الغناء فان الشعر كلام منظوم وغيره كلام منثور فحسنه حسن وقبيحه قبيح وإنما يصير غناء بالالحان وأن انصف المنصف وتفكر في اجتماع أهل الزمان وقعود المغنى بدفه والمشب شبابته وتصور في نفسه هل وقع مثل هذا الجلوس والهيئة بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل استحضروا قوالا وقعدوا مجتمعين لاستماعه لاشك أن ينكر ذلك من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولو كان في ذلك فضيلة تطلب ما اهملوها فمن يشير بانه فضيلة تطلب ويجتمع لها يحظ بذوق من معرفه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ويستروح الى استحسان بعض المتاخرين ذلك وكثيرا يغلط الناس في هذا كلما احتج عليهم بالسلف الماضين يحتج بالمتاخرين وكان السلف اقرب عهد الى رسول الله وهديهم اشبه بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثيرا من الجهله يتهيج عند قراءة القرآن باشياء من غير الغلبه قال عبد الله بن عروه بن الزبير قلت لجدتي اسماء بنت أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن قالت كانوا كما وصف الله تعالى تدمع اعينهم وتقشعر جلودهم قال قلت أناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشيا عليه قالت اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويروى أن عبد الله بن عمر مر برجل من أهل العراق يتساقط قال مالهذا قالوا أن هذا إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله سقط فقال إبن عمر أنا لتحش الله وما نسقط أن الشيطان يدخل في جوف أحدهم ماهكذا كان يصنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عند إبن سيرين وهو من اجلاء التابعين الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القرآن فقال بيننا وبينهم أن يقعد واحد منهم على ظهر بيت باسطا رجليه ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فأن رمى بنفسه فهو صادق ويؤيده قول السري شرط الواجد في زعقته أن يبلغ إلى حد لو ضرب وجهه بالسيف لا يشعر فيه بوجع وروى عن أبي الحسين النووي أنه حضر مجلسا فسمع هذا البيت مازلت انزل من وذادك منزلا * الالباب عند نزوله فقام وتواجد وهام على وجهه فوقع في * قد قطع وبقيت اصوله مثل السيوف فكان يعد وفيها وبعيد البيت إلى الغدوه والدم يخرج من رجليه حتى ورمت قدماه وساقاه وعاش بعده أياما ومات رحمه الله تعالى وسيأتي زيادة الافاده في مقام الاعاده ويقال أن موسى عليه السلام وعظ قومه فشق رجل منهم قميصه فقيل لموسى قل لصاحب القميص لايشق قميصه ويشرح قلبه وكان بعض الصالحين لايسمعون اتقاء لموضع التهمة ومع ذلك لايفكرون على من يسمع بالنية الحسنة وقد قال الحضري ما ادون حال من يحتاج إلى مزعج يزعجه وقال بعض أصحاب التستري صحبت سهلا سنين ما رأيته تعير عند شيء كان يسمعه من الذكر والقرآن فلما كان في آخر عمره قرئ عنده فاليوم لايؤخذ منكم فدية ارتعد وكاد يسقط فسألته عن ذلك فقال لي نعم لحقني ضعف وسمع مرة الملك يومئذ الحق فاضطرب فسأله إبن سالم وكان صاحبه قال قد ضيعت فقيل له أن هذا من الضعف فالقوه قال القوه أن لايرد عليه وأرد الا يبتلعه بقوه حاله ولا يغيره الوارد ومن هذا القبيل قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما رأى الباكي يبكي عند قراءة القرآن هكذا كنا حتى قست قلوبنا أي تصلب وادمنت سماع القرآن وآثاره والفت أنواره فما استغربته حتى يتغير والواحد كالمستغرب ولهذا نسوة مصر قطعن ايديهن عند رؤية يوسف عليه السلام دون زليخا مع أنها كانت اتم منهن في مقام المحبة والولاء ومن هذا القبيل من قدم حاجا فرأى بيت الله أولا بكى زوعق وربما يغشى عليه إذا وقع عليه مصره وقد يقم بمكة شهرا ولا يحس من ذلك في نفسه أثرا ولا شعرا وقد قال بعضهم حال قبل الصلاة كحال بعدها اشارة منه إلى أستمرار حال الشهود في جميع مراتب الوجود وقد قال الجنيد لايصير نقصان الوجد مع فضل العلم وفضل العلم أتم من فضل الوجد وسئل الجنيد ما بالك في عدم السماع فأجاب بقوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب وقيل السماع لقوم كالداء ولقوم كالدواء ولقوم كالغذاء ومن أفضل أقسام البكاء ماصدر عن سيد الأنبياء وسند الأصفياء كما روى أنه قال لأبي أقرأ فقال أقرأ عليك وعليك نزل فقال أحب أن أسمعه من غيري فافتتح سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فإذا عيناه تهملان أي تسيلان وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أستقبل الحجر واستلمه ثم وضع شفتيه عليه طويلا يبكي وقال ياعمر ههنا تسكب الدم ات وورد مولعا بالسماع فعوقب في ذلك فقال نعم هو خير من أن تقعد وتغتاب فقال له أبو عمرو بن * وغيره من اخوانه هيهات يابا القاسم زلة في السماع شر من كذا وكذا سنة تغتاب الناس وأما ما روى عن أنس قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نزل عليه جبريل عليه السلام فقال يارسول الله أن فقراء امتك يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال افيكم من ينشدنا فقال بدوي نعم يارسول الله فقال هات فانشا البدوي وقد لسعت حبة الهوي كبدي فلا طبيب لها ولا راقى الا الحبيب الذي شغفت به فعنده رقيي وثريا في فتواجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواجد الأصحاب معه حتى سقط رداءه عن منكبه فلما فرغوا وآوى كل واحد منهم مكانه قال معوله بن سفيان ما أحسن لعتبكم يارسول الله فقال مه يامعاوية ليس بكريم من لم يهتز عند ذكر السماع للحبيب ثم قسم صلى الله عليه وسلم رداءه بين من حاضرهم باربعمائه قطعة فموضوع وكذب باتفاق أهل العلم بالحديث كما ذكره السخاوي عن إبن تيمية وكان واضعه عمار إبن إسحاق باقي الاسناد ثقه هكذا قال الذهبي وغيره وهو مما يقطع بكذبه وأن رواه أبو طاهر المقدسي وصاحب العوارف باسناده أيضا مع أنه قال بنفسه وتخالج في سري أنه غير صحيح ولم أجد منه دوق اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وما كانوا يعتمدونه على ما بلغنا في هذا الحديث ويأبى القلب قبوله وإنما أوردناه مسندا كما سمعناه ووجدناه والله سبحانه أعلم وروى أن عبد الله بن مسعود مر ذات يوم في موضع من نواحي الكوفه وإذا الفساق قد اجتمعوا في دار رجل منهم وهم يشربون الخمر ومعهم مغن يقال له زادان كان يضرب بالعود ويغني بصوت حسن فلما سمع ذلك عبد الله بن مسعود قال ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله وجعل رداءه على رأسه ومضى فسمع ذلك الصوت زادان فقال من هذا قالوا كان عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله قال وايش قال قالوا قال ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله فدخلت الهبية في قلبه فقام وضرب بالعود على الأرض فكسره ثم أسرع حتى أدركه وجعل المنديل على عنق نفسه وجعل يبكي بين بدن عبد الله فاعتنقه عبد الله وجعل يبكي كل واحد منهما ثم قال ياعبد الله كيف لا أحب من أحبه الله فتاب من ضربه العود وجعل يلازم عبد الله حتى تعلم القرآن وأخذ الحظ الوافر من العلم حتى صار إماما في العلم وقد جاء في كثير من الأخبار روى زادان عن عبد الله بن مسعود روي زادان عن سلمان الفارسي كذا ذكره الشيخ عبد القادر الجيلاني في الغنية وفيها أيضا روى في الخبر أنه ليس أحد من خلق الله أحسن صوتا من اسرافيل عليه السلام فاذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم فإذا ركب أهل الجنة الرفا رف وأخذ اسرافيل في السماع بالوان الأغاني تسبيحا وتقديسا للملك القدوس فلم يبق في الجنة شجره الا وردت ولم يبق ستر ولا باب ألا ارتج وأنفتح ولم يبق حلقه من باب الا طنت بالوان طنينها ولم يبق اجمة من آجام الذهب الا وقع هبوب الصوت في مقاصبها فزمرت تلك المقاصب بفنون المزامير فلم يبق جارية من جواري الحور ألا غنت باغانيها والطير بالحانها فيوحى الله إلى الملائكة أن جاوبوهم واسمعوا عبادي الذين نزهوا اسماعهم عن مزامير الشيطان فيجاوبون بالحان واصوات روحانيين فتختلط هذه الأصوات فيصير رجة واحدة ثم يقول الله قم ياداود عند ساق عرشي مجدني فيندفع داود في تمجيده بصوت يعم الأصوات ويجلبها وتتضاعف اللذات وأهل الخيام على تلك الرفارف تهوى بهم وقد صفت بهم افاتن اللذات والأغاني فذلك قوله عز وجل فهم في روضة يحرون قلت وقد جاء عن مجاهد في قوله فهم في روضة أنه السماع من الحور العين يعلن باصوات شهيه نحن الخالدات فلا نموت أبدا نحن الناعمات فلا نبؤيها أبدا وفيها أيضا عن أبي هريرة أنه قال رجل يارسول الله أني رجل قد حبب إلى الصوت الحسن فهل في الجنة صوت حسن قال أي والذي نفسي بيده أن الله عز وجل ليوحي إلى شجرة في الجنة أن اسمعي عبادي الذين استقلوا بعبادي وذكره عن عرف البرابط والمزامير فترفع لصوت لم يسمع الخلائق بمثله من ، الرب وتقديسه انتهى وقد صرح الشيخ فيها بأن السماع والقول بالقصب والرقص غير جايز عنده وقال القشيري سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرازي يقول سمعت الجنيد إذا رأيت المريد يحب السماع فأعلم أن فيه بقية من البطالة وسئل أبو سليمان الداراني عن السماع فقال كل قلب يريد الصوت الحسن فهو ضعيف يداري كما يداري الصبي إذا أريد أن ينام قال وسمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول سمعت أبا عثمان المغربي يقول من ادعى السماع ولم يسمع على صوت الطيور وصرير الباب وتصفيق الرياح فهو مفتر مدع كذاب وعن الحصري يقول في بعض كلامه ايش أعمل بسماع ينقطع إذا انقطع من يسمع منه قال القشيري يعني ينبغي أن يكون سماعك سماعا متصلا غير منقطع قال وقد قال الحصري ينبغي أن يكون ظمأ دائما وشربا دائما فكلما أزداد شربه أزداد ظمأه قال وسمعت محمد بن الحسين يقول سمعت أبا عثمان المغربي يقول قلوب أهل الحق قلوب حاضرة وأسماعهم أسماع مفتوحة وقد سمع أبو سليمان الدمشقي طوافا ينادي ياسعر يرى فسقط مغشيا عليه فلما أفاق سئل فقال حسبته يقول اسع تر برى وروى عن غيره أنه قال حسبته الساعة ترى برى فكان الأول كان في مقام المجاهده والثاني في مقام المراقبة والمشاهدة قال وسمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول دخلت على أبي عثمان المغربي وواحد يسقي الماء من البير على بكرة فقال لي يابا عبد الرحمن يدري ما تقول البكره فقلت لا فقال لقول الله الله قال وسمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول سمعت علي بن طاهر يقول سمعت عبد الله إبن سهل يقول سمعت رويما يقول روى عن علي إبن أبي طالب رضي الله عنه أنه سمع صوت ناقوسي فقال لأصحابه اتدرون ما يقول هذا قالوا لا قال أنه يقول سبحان الله حقا حقا أن المولى يبقى وحكى أن عليا كرم الله وجهه مر على نداف فقال هل تدرون ما يقول فقالوا لا فقال يقول وهبك عشت عمر نوح وضعف ضعف ضعف الست بعدها تموت فاف اف اف وقيل سمع الشبلي قائلا يقول الخيار عشرة بدانق فصاح وقال إذا كان الخيار عشرة بدانق فكيف الأشرار وقال الحريري كونوا بانيين أي سامعين من الله قائلين بالله قال وسمعت محمد بن الحسين يقول سمعت منصور بن عبد الله الأصبهاني يقول سمعت أبا علي الرودبادي يقول جزت بقصر فرأيت شابا حسن الوجه مطروحا وحوله ناس فسألت عنه فقالوا أنه أجتاز بهذا النصر وجارية تغني وكبرت * عبد طمعت في أن تراكا أو ما حسب لعين أن ترى من قد رأكا هذا وذهب الغزالي في الأحياء إلى أن الغناء المجرد لايكره وكذا القضيب والطبل والدف وغيره قال ولا يستثنى من هذا الا الأوتار والمزامير ورد الشرع بالمنع منها لا للذتها إذ لو كان للذه لقيس عليها كل ما يلتذ به الإنسان ويكن حرمت الخمور واقتضت خرادة الناس بها المبالغة في النظام عنها حتى انتهى الأمر في الأبتداء إلى كسر الدنان فحرم معها ماهو شمالها أهل الشرب وهي الأوتار والمزامير فقط وكان تحريمه من قبيل الابتاع كما حرمت الخلوة مع الأجنبية لأنها مقدمة الجماع وحرم النظر إلى الفخذ لاتصاله بالسؤتين وحرم قليل الخمر وأن كان لا يسكر لأنه يدعوا إلى المسكر وما من حرام الا وله حريم يطيف به به وحكم الحرمة ينسحب على حريمه فيكون حمى للحرام وخطارا مانعا حوله كما قال صلى الله عليه وسلم أن لكل ملك حمى وأن حمى الله محارمه فهي محرمه تبعا لتحريم الخمر بثلاث علل اجدتها أنها تدعوا إلى شرب الخمر فأن اللذة الحاصله بها إنما تتم بالخمر وبمثل هذه العله حرم قليل الخمر الثانية أنها في حق قريب العهد بشرب الخمر تذكر مجالس الأنس بالشرب فهو سبب الذكر والذكر سبب انبعاث الشوق وانبعاث الشوق إذا قوى فهو سبب الأقدام ولهذه العله نهوا في الأبتداء عن المزفت والرباء والختم والنقير وهي الأواني التي كانت مخصوصة بها فأن مشاهده صورتها تذكر بها الثالثة أن الاجتماع عليها لما أن صار من عادة أهل الفسق فيمتنع التشبه بهم لأن من تشبه بقوم فهو منهم وبهذه العلة نقول ترك السنه مهما صارت شعار أهل البدعة خوفا من التشبه بهم وبهذه العله يحرم ضرب الكوبه وهو طبل مستطيل دقيق الوسط واسع الطرفين وضربها من عادة المخنثين ولولا ما فيه من التشبه لكان مثل طبل الحج والغزو وبهذه العلة نقول لو أجتمع جماعة وزينوا مجلسا وأحضروا الآت الشرب واقداحه وصبوا السكنجبين ونصبوا ساقيا يدور عليهم فيسقيهم فيأخذون من الساقي ويشربون ويحيى بعضهم بعضا بكلماتهم المعتاده بينهم حرم ذلك عليهم وأن كان المشروب مباحا في نفسه لأن في ذلك تشبيها بأهل الفساد بل لهذا ينهى عن لبس القبا في بلاد صادر القباء فيها من لباس أهل الفساد ولا ينهى عن ذلك فيما وراء النهر لاعتياد أهل الصلاح ذلك فيهم فلهذه المعاني حرم المزمار العراقي والأوتار كلها كالعود والرباب والبربط وغيرها وما عدا ذلك فليس في معناها كشاهين الرعاه والحجيج وشاهين الطبالين وكالطبل والقضيب وكل اله يستخرج منها صوت مستطاب موزون سوى ما يعتاده أهل الشرب قياسا على اصوات الطيور وغيرها انتهى * يظهر عدم صحة مانقل السيد عبد الأول عن خاتمة الجمع النقشبندي حواجه عبيد الله السمرقندي من أن الإمام الشافعي ذهب إلى أن المزامير وما أستعمل في مجلس الفساق ولم يكن تارة من جرير يباح استماعه كالشبابه والدف والرباب الذي تعال له المشاهدين ثم الحاصل من الكتاب والسنة وأقوال أئمة الأمة أن المزامير والأوتار التي هي من شعار الأشرار حرام بالاجماع ولا اعتداد لمن خالفهم في مقام النزاع وأن الشبابه والقصب العراقي مكروه تحريما لما ذهب إلى منعه الجمهور والدف المجلجل والغناء بالالحان المجرده أو المخلوطه بالاشعار المطلقه مكروه تنزيها لاختلاف العلماء في اباحته وكراهته وأما التواجد والرقص والزعق ونحو ذلك فأن كان من غير اختيار فلا حرج فيه وأن كان عن رياء وسمعه وأظهار مسخه فيحرم عليه وأما البكاء والدموع بل التباكي والخشوع فهو من أفضل أحوال الكمل كما أشار اليه قوله سبحانه إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا وقوله عز وجل أن الذين أوتوا العلم من قبله إذا صلى عليهم يخرون للاذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا أن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا وقد ورد عينان لا تمسهما النار أبدا عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله رواه أبو يعلى والصبا عن أنس مرفوعا وأما ما حكاه بعض الفقهاء أن النبي صلى الله عليه وسلم تواجد عند بني النجار حتى سقط رداؤه فكذب لاشك فيه وليس الفقهاء ممن يؤخذ عنهم الأحاديث النبوية إلا أن يكونوا من أهلها العارفين بصحيحها من سقمها وكان بعض السلف يقول ما رأيت الصالحين في شيء اكذب منهم في الحديث أقول وذلك لأنهم يحسنون الظن بالناس فيأخذون عن كل أحد وليس عندهم من العلم مايميزون به بين الحق والباطل وهكذا رأينا كثيرا من العوام إذا سمعوا حديثا من أحد الفقهاء أو وجدوه في أي كتاب من كتب الفضلاء جزموا بصحته وعملوا بدلالته تحسينا للظن بناقله وروايته وهذا خطأ فاحش فالشيء إنما يؤخذ من معادنه وقد قال تعالى واتوا البيوت من أبوابها وعن إبن سيرين أن هذا العلم دين فأنظروا عمن تأخذونه كما في الشمائل وروى عن مسلم العباداني قال قدم علينا مرة صالح المرى وعبده الغلام وعبد الواحد إبن زيد فنزلوا على الساحل قال فهيأت لهم ذات يوم طعاما فدعوتهم إليه فجاؤا فلما وضعت الطعام بين ايديهم إذا قائل يقول ويلهيك عن دار الخلود مطاعم ولذه نفس عبها غير نافع قال فصاح عتبه الغلام صيحة خر مغشيا عليه وبكى لقوم فرفعنا الطعام وما ذاقوا والله منه لقمة وفي الأحياء أنه عليه السلام مري عنده أن لدينا انكالا وجحما وطعاما ذا غصة وعذابا اليما فصعق وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم فرأ أن تعذبهم فأنهم عبادك فبكى وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ولصدره * المرجل وأما ما نقل من الوجد بالقرآن عن الصحابه والتابعين فعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلا يقرأ أن عذاب ربك لواقع ماله من دافع فصاح صيحة خر مغشيا عليه فحمل إلى بيته فلم يزل مريضا شهرا وروى أن زراية إبن أبي اوفي وكان من التابعين كان يؤم الناس بالرقه فقرا ليله فاذا نقر في الناقور فصعق فمات في محرابه وسمع الشافعي قارئا يقرأ يوم لاينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون فغشى عليه وسمع علي بن الفضيل قارئا يقرأ يوم يقوم الناس لرب العالمين فسقط مغشيا عليه وكان الشبلي في مسجده ليلة من رمضان وهو يصلي خلف إمام له فقرأ الإمام ولئن شئنا لتذهبن بالذي أوحينا إليك فزعق الشبلي زعقه ظن الناس أنه قد طارت روحه وأخضر وجهه وأرتعد بدنه وكان يقول بمثل هذا يخاطب الأحباب يردد ذلك مرارا وقال الجنيد دخلت على سرى السقطي فرأيت بين يديه رجلا قد غشى عليه فقال لي هذا رجل قد سمع آية من القرآن فغشى عليه فقلت اقرؤا عليه تلك الآية بعينها فقرئ فافاق فقال السرى من أين قلت هذا فقلت رأيت يعقوب عليه السلام كان عماه من أجل مخلوق وبمخلوق ابصر ولو كان عماه من أجل الحق ما أبصر بمخلوق فأستحسنوا ذلك منه ويشير إلى ما قاله الجنيد قول الشاعر وكاس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها وسمع رجل من أهل التصوف قارئا يقرأ يأتها النفس المطمئنه ارجعي إلى ربك راضية مرضيه فاستفادها من القارئ وقال كم أقول لها ارجعي فليست ترجع وتواجد وزعق رعقه فخرجت روحه وسمع بكر بن معاذ قارئا يقرأ وأنذرهم يوم الأزفه فاضطرب ثم صاح وقال ارحم من انذرته ولم يقبل إليك بعد الأنذار بطاعتك ثم غشى عليه وسمع إبراهيم بن أدهم أحد يقرأ إذا السماء انشقت فاضطربت اوصاله حق كاد يرتعد وعن محمد بن صبيح قال كان رجل يغتسل في الفرات فمر به رجل على الشط يقرأ وامتازوا اليوم أيها المجرمون فلم يزل الرجل يضطرب حتى غرق ومات وقال أبو علي المغازلي للشبلي ربما يطرق سمعي آية من كتاب الله فتجدوني على الأعراض عن الدنيا ثم أرجع إلى أحوالي وإلى الناس فلا أبقى على ذلك فقال ما طرق سمعك من القرآن فاجتذبك به اليه فذلك عطف من عليك ولطف منه اليك وإذا ردك إلى نفسك فهو شفقة منه عليك فأنه لايصلح لكسالتبرى عن الحول والقوة والتوجه اليه بوصف الدوام وقد ورد روحوا القلوب ساعه وساعة أخرجه الديلمي من جهة أبي نعيم وغيره عن أنس مرفوعا ويشهد له ما في صحيح مسلم وغيره من حديث ياحنظلة ساعة وساعة وأما من كان القرآن لا يؤثر أصلا لا صباحا ولا مساءا فمثله كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء وقال سهل كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل فلا يصلح السماع لمن قلبه ما روت بعد بحب الدنيا وشهوة المحمده والثنا فالسماع مزلة قدم يجب عنه حفظ الضعفاء وأما من له قلب سليم وسمع مستقيم فله أن يسمع الحق بالحق من الحق وهذا إنما يكون إذا كان المريد في مقام المزيد قال تعالى أن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أم القى السمع وهو شهيد يعنى من تجاوز المجاهده ووصل إلى المشاهده فأن المراتب ثلاثة إسلام وإيمان وإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه وأن لم تكن تراه فأنه يراك وهذا اسماع من جاوز الأحوال والمقامات فغرب عن فهمه ماسوى الله حتى غرب عن نفسه وأحوالها ومعاملاتها وأهوالها وكان كالمدهوش الغائص في بحر الوجود والواقع في عين الشهود الذي يضاهي حال النسوة التي قطعن ايديهن في مشاهدة جمال يوسف حين برز لهن حتى * وسقط احساسهن وعن مثلاهن الحاله تغير الصوفيه بانه فنى عن نفسه ومهما فنى عن نفسه فهو عن غيره افنى فكانه فنى عن كل شيء الا عن الواحد المشهود وفنى أيضا عن الشهود فأن القلب أن التفت إلى الشهود وإلى نفسه بأنه مشاهد فقد غفل عن المشهود فالمستهز بالمرئ لا التفات به في حالة استغراقه إلى رؤيته وإلى عينه التي بها رؤيته وإلى قلبه الذي به لذته فالسكران لا خبر له من سكره والمتلذذ لا خبر له من التذاذه وإنما خبره من المتلذذ به فقط ومثاله العلم بالشيء فأنه مغاير للعلم بالعلم بذلك الشيء فالعالم بالشيء مهما ورد عليه العلم بالعلم بالشيء كان معرضا عن الشيء قال الإمام حجة * ومثل هذه الحالة قد تطرأ في حق المخلوقين فتطرأ أيضا في حق الخالق ولكنها في الغالب يكون كالبرق الخاطف الذي لايثبت ولا يدوم فأن دام لم تطعه القوة البشرية فهذه درجة الصديقين في الفهم والوجد وهي أعلى الدرجات لأن السماع على الأحوال وهي ممتزجه بصفات البشرية نوع قصرو إنما الكمال أن يغنى عن نفسه وأحواله اعني أنه ينساها فلا يبقى له التفات إليها كما لم يكن للنسوة التفات إلى اليد والسكين ويسمع بالله ولله وفي الله ومن الله وهذه رتبه من خاض لجة الحقائق بعد قطع العلايق والعوائق وعبر ساحل الأحوال والأعمال واتحد بصفاء التوحيد وتجرد بسر التغريد وتحقق بمحض الأخلاص ووصل إلى مقام الأختصاص فلم يبق فيه منه شيء أصلا بل خمدت بالكليه بشريته وفنى التفاته إلى صفات البشريه بكليته ولست اعنى بغنائه فناء جسده بل فناء قلبه في مشاهدة ربه بسر الروح الذي هو من أمر الله بنسبه خفيه عرفها من عرفها وجهله من جهلها ولذلك السر وجود في مقام شهود وصوره ذلك الوجود ما يحضر فيه فاذا حضر فيه غيره فكأنه لا وجود الا للمحاضر ومثاله المرآة المجليه إذ ليس لها لون في نفسها بل لونها لون الحاضر فيها وإلى هذا المعنى يشير حديث المؤمن مرأة المؤمن أي مطهر المؤمن الحقيقي عند تجلياته سبحانه بعد تصفيه مراه قلبه عن شهواته وكذلك الزجاجه فأنها تحكي لون قزازها ولونها لون الحاضر فيها وليس لها في نفسها صوره بل صورتها قبول الصور ولونها هو هبه الاستعداد لقبول الألوان * عن هذه الحقيقة في سير القلب بالأضافة إلى ما يحضر فيه قول الشاعر رق الزجاج ورقت الخمزه تشابها وتشاكل الأمر فكأنما خمر ولا قدح وكانما قدح ولا خمر قال الإمام وهذه مغاصة من مغاصات علوم المكاشف نشأ منها خيال من ادعى الحلول والأتحاد وقال أنا الحق وحولها يدندن كلام النصاري في دعوى اتحاد اللاهوت بالناسون أو تدرعها بها أو حلولها فيها على ما أختلفت فيه عباراتهم وهو غلط محض يضاهي غلط من يحكم على المرأه بصوره الحمره إذا ظهر فيها لون الحمره من مقابلتها قلت ومن هنا غلط الوجوديه من إبن عربي وأتباعه من حملة الصوفية حيث أخطأوا من جادة توحيد طريقة الشهودية ولم يغرقوا بين * والعينية كما اوضحت هذه المسئله في رسالة مستقيله والله سبحانه هو الهادي إلى سوا الطريق وبيده ازمة التحقيق وعنان التوفيق فختم الله لنا بالحسنى وبلغنا المقام الاسنى .
تحرير مؤلفه رحم وسلفه في غرة ربيه الأول في بلد الله الحرام عام ثلاث بعد الألف من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام ونقله من خط مؤلفه مجد الدين صادق سنة 1066 .
Página 158