95

Epístolas de los Hermanos de la Pureza

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Géneros

واعلم يا أخي بأن مراتب النفوس ثلاثة أنواع، فمنها مرتبة الأنفس الإنسانية، ومنها ما هي فوقها، ومنها ما هي دونها، فالتي هي دونها سبع مراتب، والتي فوقها سبع أيضا، وجملتها خمس عشرة مرتبة.

والمعلوم من هذه المراتب التي ذكرناها عند العلماء، ويمكن لكل عاقل أن يعرفها ويحس بها؛ خمس، منها اثنتان فوق رتبة الإنسانية وهي رتبة الملكية والقدسية، ورتبة الملكية هي رتبة الحكمية، ورتبة القدسية هي رتبة النبوة والناموسية، واثنتان دونها وهي مرتبة النفس النباتية والحيوانية، ويعلم صحة ما قلنا وحقيقة ما وصفنا الناظرون في علم النفس من الحكماء والفلاسفة وكثير من الأطباء.

وأما الرتبتان اللتان فوق رتبة الإنسانية فهي مرتبة الحكمة وفوقها الناموسية، وأما مرتبة الإنسانية فهي التي ذكرها الله تعالى بقوله: @QUR06 لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، وأما التي فوق هذه فما أشار إليه بقوله: @QUR04 ولما بلغ أشده واستوى؛ يعني الإنسان @QUR03 آتيناه حكما وعلما، وقال أيضا: @QUR018 أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها؛ يعني الإنسان أحيينا نفسه بنور الهداية، وهذه هي مرتبة نفوس المؤمنين العارفين والعلماء الراسخين.

فأما التي فوقها فمرتبة النفوس النبوية الواضعين النواميس الإلهية، وإليها أشار بقوله - جل ثناؤه: @QUR09 يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات، وهذه المرتبة تلي مرتبة القدسية الملكية، فقد تبين بما ذكرنا المراتب الخمس التي يمكن الإنسان أن يعلمها ويحس بها، فأما المراتب التي دون النباتية وفوق القدسية فبعيدة معرفتها على المرتاضين بالعلوم الإلهية، فكيف على غيرهم؛ وإذ قد فرغنا من ذكر ما أردنا أن نقدمه فنقول الآن ونخبر بكل ما يخص كل نوع من هذه النفوس الخمس من المعونة والتأييد.

اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الله - جل ثناؤه - لما ربط الأنفس الجزئية بالأجسام الجزئية للعلة التي ذكرناها في رسالة «الإنسان عالم صغير» أيدها وأعانها بضروب من المعاونة وفنون من التأييدات؛ كل ذلك جود منه ولطف بها، وإنعام منه عليها وإفضال وإحسان إليها وإكرام لها، وذلك أنه كلما بلغت نفس منها رتبة ما، أمدها بزيادة فضلا منه وجودا أو نقلها إلى ما فوقها وأرفع منها وأعز وأشرف وأجل وأكرم؛ كل ذلك ليبلغها إلى أقصى مدى غاياتها وتمام نهاياتها.

وإذ قد تبين بما ذكرنا مراتب النفوس الخمس وما الفائدة والحكمة في رباطها بالأجسام؛ فنريد أن نذكر ما يخص كل نوع منها من المعاونة والتأييد، وهي القوى الطبيعية والأخلاق المركوزة والهياكل الجسمانية والأدوات الجسدانية والشعورات الحسية والأوهام الفكرية والحركات المكانية والأفعال الإرادية والأعمال الاختيارية والصنائع الحكمية والأوضاع الناموسية والسياسات الملكوتية، ونبدأ أولا بذكر الشهوات المركوزة في الجبلة والقوى الطبيعية المعينة لها؛ إذ كانت هي الأصل والقانون في جميع القوى والأخلاق والخصال والأفعال والحركات والحس والشعور بها ومن أجلها - كما سنبين بعد.

فصل

واعلم يا أخي بأن من الأخلاق والقوى ما هي منسوبة إلى النفس النباتية الشهوانية، ومنها ما هي منسوبة إلى الحيوانية الغضبية، ومنها ما هي منسوبة إلى النفس الإنسانية الناطقة، ومنها ما هي منسوبة إلى النفس العاقلة الحكمية، ومنها ما هي منسوبة إلى النفس الناموسية الملكية.

فأما المنسوبة إلى النفس الشهوانية من الخصال والقوى التي تخصها، فأولها شهوة الغذاء وهي النزوع والشوق نحو المأكولات والمشروبات والمشتهيات والرغبة فيها والحرص في طلبها واحتمال المشقة والذل من أجلها والفرح والسرور بوجدانها والراحة واللذة في تناولها والملل والشبع عند الاستكفاء منها، والنفور من الضار منها والبغض له.

ومن القوى المختصة بها أيضا القوة الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمصورة، ومن الشعور والتمييز معرفة الجهات الست، ومن الأفعال إرسال العروق نحو الجهات الندية والتراب اللين، وتوجيه الفروع والقضبان إلى الجهات المتسعة والميل والانحراف عن الأمكنة الضيقة والأجسام المؤذية.

Página desconocida