ثم يجعل مدة الفاء إلى قدام مثل طول الألف، وفتحته ثمن الألف وحلقته وحلقة القاف والواو والميم والهاء كلها متساوية مثل ثلث الألف إذا دور مثل هذا: ف ق و م ه، ويجعل مدة القاف إلى أسفل مثل نصف محيط تلك الدائرة مثل هذا: ق، ثم يجعل مدة الكاف إلى قدام مثل طول الألف، وفتحته مثل ثمن الألف، وكسرته إلى فوق ربع الألف مثل هذا: ك، ثم يجعل طول اللام مثل الألف، ومدته إلى قدام نصف الألف، مثل هذا: ل، ثم يجعل مدة الميم والواو كل واحد منهما إلى أسفل مثل تقويس الراء والزاي مثل هذا: م و.
ثم يجعل تقويس النون مثل نصف محيط تلك الدائرة التي الألف مساو لقطرها مثل هذا: ن، ثم يجعل الياء مثل الدال ومدته إلى خلف مثل طول الألف أو تقويسه إلى أسفل مثل نصف محيط الدائرة مثل هذا: ي، وهذا الذي ذكرناه من نسب هذه الحروف وكمية مقاديرها طولا وعرضا بعضها عند بعض، فهو شيء توجبه قوانين الهندسة والنسب الفاضلة.
وأما ما يتعارفه الناس ويستحسنه الكتاب فعلى غير ما ذكرنا من المقادير والنسب، وذلك بحسب موضوعاتهم ومرضياتهم واختياراتهم دون غيرها، وبحسب طول الدربة وجريان العادة فيها؛ وإذ قد تبين بما ذكرنا ماهية النسب الفاضلة ومقادير الحروف وكمية أطوالها؛ فنريد أن نذكر ها هنا أيضا طرفا من كيفية صورها وتخطيط أشكالها وكيفية تركيبها بعضها مع بعض على ما يوجبه القياس والقانون بطريق الهندسة.
اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن صور حروف الكتابات كثيرة الفنون مختلفة الأنواع، كما تقدم ذكرها ، وهي بحسب موضوعات الحكماء من الكتاب واختياراتهم لها وتواطئهم عليها يطول ذكر علة ذلك وشرحه، ولكن نذكر قولا مجملا مختصرا في ثلاث كلمان بحسب ما توجبه قوانين الهندسة والقياسات الفلسفية، كما أوصى المحرر الحاذق المهندس، فقال: ينبغي أن تكون صور الحروف كلها لأي أمة كانت، في أي لغة كانت، وبأي أقلام خطت إلى التقويس والانحناء ما هو الألف التي في كتابة العربية وأن يكون غلظ الحروف إلى الانخراط ما هو وأن يكون عند التركيب الزوايا كلها حادة وإلى التدوير ما هو، فهذا ما قاله أهل الصناعة في تقدير هذه الحروف ومناسباتها مفردة مفردة، فأما عند التركيب والتأليف فربما تختلف وتتغير لعلل يطول شرحها، ولكن على المحرر يجب عند تعليمه للخط التوقيف عليها.
فقد تبين إذن بما ذكرنا أن أحكم المصنوعات وأتقن المركبات وأحسن المؤلفات ما كان تركيب بنيته وتأليف أجزائه على النسبة الأفضل، والنسب الفاضلة هي المثل، والمثل والنصف، والمثل والثلث، والمثل والربع، والمثل والثمن - كما قد بينا قبل - ومن أمثال ذلك أيضا صورة الإنسان وبنية هيكله، وذلك أن الباري - جل جلاله - جعل طول قامته مناسبا لعرض جثته، وعرض جثته مناسبا لعنق تجويفه، وطول ذراعيه مناسبا لطول ساقيه، وطول عضديه مناسبا لطول فخذيه، وطول رقبته مناسبا لطول عمود ظهره، وكبر رأسه مناسبا لكبر جثته، واستدارة وجهه مناسبة لسعة صدره، وشكل عينيه مناسبا لشكل فمه، وطول أنفه مناسبا لعرض جبينه، وقدر أذنيه مناسبا لمقدار خديه، وطول أصابع يديه مناسبا لأصابع رجليه، وطول أمعائه مناسبا لطول أوردته، وتجويف معدته مناسبا لكبر كبده، ومقدار قلبه مناسبا لكبر رئته.
وشكل طحاله مناسبا لشكل كبده، وسعة حلقومه مناسبة لكبر رئته، وطول أعضائه وغلظها مناسبا لكبر عظامه، وطول أضلاعه وتقويسها مناسبا لصندوق صدره، وطول عروقه وسعتها مناسبا لبعد مسافة أقطار جسده، وعلى هذا المثال إذا تأملت واعتبرت كل عضو من أعضاء بدن الإنسان؛ وجدته مناسبا لجملة جثته نسبة ما ومناسبا لعضو عضو من أعضاء الجسد نسبة أخرى، لا يعلم كنه معرفتها إلا الله - جل ثناؤه - الذي خلقها وصورها كما شاء كيف يشاء، كما ذكر بقوله - جل ثناؤه: @QUR06 لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، وقال: @QUR010 خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك.
(9) فصل في تناسب الأعضاء على الأصول الموسيقية
اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن النطفة إذا سلمت في الرحم من الآفات العارضة هناك ومن فساد الأخلاط وتغير المزاج ومناحس أشكال الفلك عند مسقط النقطة وعند المبادئ شهرا بشهر وتمت بنية البدن، وكملت صورة الجسد، كما بينا في رسالة لنا، خرج الطفل من الرحم صحيح البنية تام الصورة، فكان طول قامته ثمانية أشبار بشبره سواء، فمن رأس ركبتيه إلى أسفل قدميه شبران، ومن رأس ركبتيه إلى حقويه شبران، ومن حقويه إلى رأس فؤاده شبران، ومن رأس فؤاده إلى مفرق رأسه شبران.
وإذا فتح يديه ومدهما يمنة ويسرة كما يفتح الطائر جناحيه وجد ما بين رأس أصابع يده اليمنى إلى رأس أصابع يده اليسرى ثمانية أشبار؛ النصف من ذلك عند ترقوته والربع عند مرفقيه، وإذا مد يديه إلى فوق رأسه ووضع رأس البركار على سرته وفتح إلى رءوس أصابع يديه، ثم أدبر إلى رءوس أصابع رجليه كان البعد بينهما مساويا عشرة أشبار بزيادة ربع طول قامته، ويوجد طول وجهه من رأس ذقنه إلى منبت الشعر فوق جبينه شبرا وثمنا، ويوجد البعد ما بين أذنه شبرا وربعا ويوجد طول أنفه ربع شبره، ويوجد طول شق عينيه كل واحد ربع ثمن شبره، وطول جبينه ثلث طول وجهه.
ويوجد شق فمه وشفتيه كل واحد مساويا لطول أنفه، وطول قدميه كل واحد شبر وربع شبر، وطول كفيه من رأس الكرسوع إلى رأس الإصبع الوسطى شبرا، ويوجد طول إبهامه وطول خنصره متساويين، ورأس البنصر زائدا على رأس الخنصر ثمن شبره، وكذلك زيادة الوسطى على البنصر وكذلك السبابة، ويوجد عرض صدره شبرا ونصفا وبعد ما بين ثدييه شبرا، وما بين سرته إلى عانته شبرا، ومن رأس فؤاده إلى رأس ترقوته شبرا، ويوجد البعد ما بين منكبيه شبرين .
Página desconocida