الرسالة الثانية عشرة منها في معنى قول الحكماء: «إن الإنسان عالم صغير»، وهو معنى العالم الكبير المؤدي عن جملته والمخصوص بثمرته، وأن صورة هيكله مماثلة لصورة العالم الكبير الجسماني وأن أحوال نفسه وسريان قواها في بنية هيكله وحقيقة جوهره مماثلة لأحوال الخلائق الروحانيين من الملائكة والجن والشياطين وأرواح الحيوانات أجمعين، فإن الإنسان مختصر من العالمين الروحاني والجسماني جميعا، مهيأ مجبول من سوس هو في الحقيقة خلاصة هذا العالم وثمرته وزبدته وكدر هذا العالم وثفالته، وأن يكون جوهر آخر المعاني الجسمانية وأول المعاني الروحانية، فهو كالحد المتاخم لكل العالمين وكالأصل الصالح لمجموع الكمالين وكالجوهر الذي هو بائنته معقول وكيفيته محسوس، وكالشيء الذي بذاته حياة من وجه وذو حياة من وجه، وكالذات القائم بنفسه من جهة، والقائم بغيره من جهة، وكالمعنى المشير بمضمون فحواه ويفطن بمفهومه، لما سواه، ومن وجه آخر كالفرخ المتفقئ عنه البيضة الذي هو له كمال من وجه ومنتهى للكمال من وجه آخر، فهو اللازم للوكر ما دام طائرا بالقوة، فإذا استكمل طار فصار طائرا بالفعل، وكالزاوية التي يوجد ذاتها متوسطة بين المتجزئ وغير المتجزئ، ثم النقطة جامعة لحاليهما؛ أعني البسيط والمركب، وكالنبوة التي هي ممتدة إلى الروحانيين بخط وإلى الجسمانيين بخط، ثم الوحي جامع بين طرفيهما والإلهام حاو لحديهما، وكنهاية المحيط التي هي السطح لذي مكان وليس له مكان، والغرض من هذه الرسالة هو الإخبار عن حال الأنفس البسيطة قبل تشخيصها واتصالها بالأجسام الجزئية والأشخاص الحسية وعلة اتصالها مدة وحال مفارقتها عند بلوغ نهايتها، وكيف يعرف الإنسان هويته وآنيته وكيفية نفسه وحقيقة ذاته، وأنه مجموع فيه معاني الموجودات كلها، فهو كالكل ومحيط بالجميع فينتبه كذلك ويتأمل الصواب والفرصة مدة حياته فيقصده ويقتنيه ويحتويه؛ إذ لذلك أنشأه منشيه فيعيده ويبديه ويديمه ويبقيه، وهو يبليه ويشفيه ويهديه لينجيه فيفوز بالبقاء والنعيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
الرسالة الثالثة عشرة منها في «كيفية نشر الأنفس الجزئية في الأجساد البشرية والأجسام الطبيعية»، والغرض منها البيان عن كيفية بلوغ الإنسان بدوام انتقاله وتغير أحواله وآخر معاده ومآله، وكيف يصير إلى رتبة الملائكة ومنازل الروحانيين دار القرار ومحل الأخيار عند خلع المادة وبلوغ الإرادة ونهاية السعادة إلى حلوله بعد الموت أو قبله بوجوده الصوري وجوهره النوري. الرسالة الرابعة عشرة منها في «بيان طاقة الإنسان في المعارف»، إلى أي حد هو ومبلغه في العلوم إلى أي غاية ينتهي وأي شرف منها يرتقي، والغرض منها هو التنبيه على معرفة الله - جل جلاله - والقصد نحوه واستنجاز لقائه والوقوف بين يديه والرجوع بالكلية إليه، كما كان منه المبدأ وإليه المعاد والمنتهى. الرسالة الخامسة عشرة منها في «ماهية الموت والحياة»، وما الحكمة في وجودها في الدنيا عالم الكون والفساد وما حقيقة المعاد، والغرض منها هو البيان عن علة رباط الأنفس الناطقة بالأجساد البشرية واتصالها بالأشخاص الجزئية إلى وقت الموت، وكيفية التأهب والاستعداد قبل الفوت والاستعجال ما دام الخلاص ممكنا والنجاة معرضة والأجسام موجودة والآلة متمكنة، والاستهانة بالموت والتجافي عنه وإزالة الخوف منه ببقاء النفس بعد الموت، الذي هو مفارقتها الجسد وترك استعمالها إياه واستراحتها من أذاه ووصولها إلى عالمها ووجودها مناها وبلوغها منتهاها، وأنه لا سبيل لها إلى البقاء السرمدي الذي لا يتغير ولا يزول إلا بمفارقة الجسد المستحيل الذي هو سبب الانتقال والزوال والتغير من حال إلى حال.
الرسالة السادسة عشرة منها في «ماهية اللذات والآلام الجسمانية والروحانية»، وعلة كراهية الحيوانات الموت، وكيف أسباب الآلام واللذة التي تنال النفوس بسبب الأجسام، وكيف تنال بمجردها إذا فارقت الجسد، وكيف يكون انفرادها بذاتها وتجردها بنفسها خلوا منها وانتهاؤها إلى الفردانية واتحادها بالجوهر الصورانية والذوات الروحانية، وكيف تكون لذات أهل الجنان وآلام أهل النيران، والغرض منها هو التصور أن عذاب أهل جهنم كيف يكون مع الجن والشياطين المغللة المقيدة المنكوسة المعكوسة، وأن نعيم أهل الجنان كيف يكون مع الملائكة والروحانيين مسرورين فيها مخلدين لا يمسهم فيها نصب ولا عناء، يتبوءون من الجنة حيث يشاءون، وأن جهنم عالم الكون والفساد يصلاها من شقي بسوء المنقلب والمعاد، وأن الجنان في أعالي عالم الأفلاك وسعة السماوات سعد بها من فاز بعد الممات بذخائر الخيرات والباقيات الصالحات.
الرسالة السابعة عشرة منها في «علل اختلاف اللغات»، ورسوم الخطوط والعبارات، وكيف مبادئ المذاهب والديانات والآراء والاعتقادات وأول نشوئها، وابتداؤها ونماؤها وتزايدها حالا بعد حال وقرنا بعد قرن، وكيفية انتقالها من قوم إلى قوم، وسبب تغييراتها والزيادة فيها والنقصان منها، والغرض منها هو التنبيه على أن أفعال النفس إنما تقع بحسب ما في طبعها وغريزتها، وأن قوة البحث عن الخفيات موجودة في جوهريته؛ أي بضمير التذكير اعتبارا للإنسان أي في جوهرية النفس كالمادة والعلم صورة لتلك المادة، فهي علامة بالقوة والعلم صورة قائمة فيها، وأن في قوتها أن تعلم الأشياء المحسوسة والمعقولة من أصناف العلوم في الأعلى والأسفل والأدق والأجل منها بقوة النطق؛ ولذلك يسنح لذاته سوانح ويخطر بباله خواطر فيعمل فيها فكره فيستخرج بعلمه آراء ويستنبط بذهنه مذاهب، ثم يعبر عن تلك الصورة المتخيلة في ضميره بألفاظ مؤدية عنها، ثم يقيد تلك الألفاظ برسوم من الكتابة دالة على تلك الألفاظ دلالة الألفاظ على تلك الخواطر ودلالة الخواطر على أعيان الأشياء وحقائقها ومعانيها، وإنما يتعاطون ذلك على حسب مناسبات من الطباع واتفاقات تقع في الأوقات والبقاع، والمنشأ والمولد والمخالطات بأقوام أصدقاء وأقارب ومعارف والإصغاء إليهم والأخذ عنهم والتخلق بأخلاقهم، فبحسب هذه الاتفاقات إيثار الإنسان الشيء على غيره من الآراء والمذاهب والمطالب والاعتقادات والنحل والصناعات والمكاسب؛ لأن كل إنسان وإن كان في ظاهر أمره متمكنا من اختيار ما يقتنيه من المذاهب والآراء، فبينه وبين كل واحد منها مناسبات جبلية باطنة وعادات ألفية ظاهرة تجذبها إليه وتحببها عنده وتحرضه عليها وتدعوه إليها، وبحسب انجذابه في طبعه وميله وألفه يكون تبرزه فيها ومهارته بها؛ ولذلك برز أحدهم في شيء وتخلف آخر واجتهادهما واحد وربما اتفق واحد منهم أن يسمع كلاما أو يرى أمرا فيرضاه لنفسه ويميل إليه بطبعه ويقتنيه ويدخل في جملة أهله فيتأكد ألفته وأنسه به على مرور الزمان، فإذا قوي الألف، واستمرت العادة، وسكنت نفسه إليه، وتمكن من قلبه لشدة صحبته له ومعرفته به وفرط ميله إليه آثره على غيره حتى يصير في آخر الأمر ألفا لما يختاره منه ومعاندا لما سواه، ويرى له الفضل على غيره من المذاهب الحقيقية والآراء العقلية وإن كان مفضولا، ويحكم له بالشرف والعلو وإن كان مشروفا، فبحسب ذلك تكثر الاختلافات، وتتباين المذاهب والديانات والحق فيهم مع الأنزر الأقل والآخر لاحق بالأول.
•••
ومنها الرسائل النفسانية العقلية، تشتمل على عشر رسائل: الرسالة الأولى منها في «المبادئ العقلية» على رأي الفيثاغوريين، والغرض منها أن الباري - جل جلاله - لما أبدع الموجودات في المبدع الأول وهو العقل، واخترع المخترعات بوساطته في النفس، وخلقها مقدرة في الطباع، وكونها بحسب الأمهات والموالد، ورتبها ونظمها كمراتب الأعداد من الواحد الذي قبل الاثنين والاثنين قبل الثلاثة وكذلك ما بعده، وجعل لكل جنس منها حدا مخصوصا ونهاية معلومة مطابقة بعضها لبعض فاعلة ومنفعلة هيولى وصورة، نوعا وجنسا، إذا رأى ذلك أحكم وأتقن وأكمل وأهدى إليه وأبين. الرسالة الثانية منها في «المبادئ العقلية» على رأي إخوان الصفا وخلان الوفا، والغرض منها هو البحث عن علة الأشياء والأخبار وأسباب الكائنات الكليات والجزئيات عن الباري - جل وعز - كتركيب العدد الصحيح عن الواحد قبل الاثنين. الرسالة الثالثة منها في معنى قول الحكماء: «إن العالم إنسان كبير» ذو نفس وروح حي، عالم طائع لباريه، خلقه ربه - جل ثناؤه - يوم خلقه تاما كاملا، وأن كل الخلائق داخلون فيه وهو جملتهم، وليس خارج العالم شيء آخر لا خلاء ولا ملاء، وليس العالم في مكان وكل ما فيه في مكان موكل كل واحد من أهل العالم بما يتأتى منه، ويقدر عليه يفعلون ما يؤمرون وكل في فلك يسبحون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، كما قال تعالى @QUR014 وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون. الرسالة الرابعة منها في «العقل والمعقول»، وما العقل الهيولاني وما العقل بالقوة وما العقل بالفعل، وما العقل المستفاد وما العقل الفعال، والغرض منها هو تعريف ذات الإنسان وصورة الصور، وما جوهر النفس بحقيقتها والإشارة إلى الباقي فيها وكيف اجتماع صور المعلومات فيها على تباينها وتغايرها وكيف تصورها الموجودات المنتزعة من المواد، وكيف تصير أحد موجودات العالم بعد أن لم يكن شيء من الموجودات إلا بالقوة وكيف خروجه بالصورة من العدم إلى الوجود وكيف يحصل عقلا بالفعل وعاقلا بالفعل ومعقولا بالفعل والوجود الصوري مجردا من سائر المواد معراة من الهيولات فتبقى ببقاء العقل الفعال وجه الله ذي الجلال والإكرام، لا إله إلا هو، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون. الرسالة الخامسة منها في «الأكوار والأدوار واختلاف القرون والأعصار والزمان والدهور»، والغرض منها هو البيان عن كيفية إنشاء العالم ومبدأه وترتيبه وظهوره وغايته، وكيفية فنائه وخرابه لو انقطعت مواد بقائه عن مبقيه لينعدم في الحال ويضمحل بلا زمان، وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب.
الرسالة السادسة منه في «ماهية العشق»، ومحبة النفوس ونزوعها وتشوقها إلى الاتحاد والمرض الإلهي وما حقيقته ومن أين مبدأه، والغرض منها هو البيان بأن السابق المشوق إليه، المعشوق المطاع المراد المطلوب، المحبوب على الحقيقة هو الباري - جل ثناؤه - وأن الخلائق وجملة العالم مشتاقة إليه مريدة متحركة نحو الكمال باستتمام الصورية، وعاشقة إلى مصورها الذي هو فوق الصور والكمال التمام، وهو الباري المصور له الأسماء الحسنى والأمثال العلى.
الرسالة السابعة منها في «ماهية البعث والصور والنشور والقيامة والحساب وكيفية المعراج»، وعلمها هو الغرض الأقصى من رسائلنا كلها، وإليه المنتهى وهو الغاية القصوى، وإليه أشار بقوله: @QUR011 تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. الرسالة الثامنة منه في «كمية أجناس الحركات وكيفية اختلافها ومباديها وغايتها»، والغرض منها هو البيان عن كيفية وجود العالم عن الباري - جل جلاله - وكيف حركة الطبائع إلى استكمالها وقبول صورها الخاصية في كل واحد منهما، وكيفية سكونها عند استكمال كل واحد منها لصورته الخاصية؛ إذ بالصورة يصير الشيء هو ما هو، وبه يحصل في الوجود ويتميز ويتحيز ويصير شيئا معلوما مشارا إليه. الرسالة التاسعة منها في «العلل والمعلولات»، وكيف رجوع أواخرها على أوائلها وأوائلها على أواخرها، والغرض المقصود منها هو معرفة أصول العلوم ومباديها وأسبابها وقوانينها، ورسومها وكيفياتها على الحقيقة. الرسالة العاشرة منها في «الحدود والرسوم»، والغرض منها هو معرفة حقائق الأشياء وماهياتها وأجناسها وأنواعها المركبة والبسيطة بما هي كل واحد منها، وبمعرفتها الوقوف على ذوات الأشياء وكيفياتها وفصولها.
•••
ومنها «الرسائل الناموسية الإلهية والشرعية الدينية»، وهي تشتمل على إحدى عشرة رسالة: الرسالة الأول منها في «الآراء والمذاهب» في الديانات الشرعية الناموسية والفلسفية، وبيان اختلاف العلماء في أقاويلهم، وما أدى إليه اجتهادهم من البحث والنظر، والكشف عن الحقائق والأصول، وكمية تلك المقالات وما الأسباب والعلل التي من أجلها كان اختلافهم، ومن المحق ومن البطل، وما يصلح للجميع وما يصلح للخاص وما يصلح للعام، والغرض من هذه كلها هو البيان بأن المذاهب والديانات كلها وضعت كالعقاقير والأدوية والأشربة لمرض النفوس وكسب الصحة ولطف الحيل؛ لخلاصها من بحر الهيولى وأسر الطبيعة، ووصف طريق الآخرة وكيفية النجاة في المعاد من جهنم عالم الكون والفساد، والوصول إلى الجنان والفردوس عالم الأفلاك والسبع السماوات، وأن أكثر هذه الديانات لأقوام قد انحرفوا عن طريق النجاة وبعدوا عن انتهاج سبيل الرشاد، فاستولى عليهم الميل والعصبية والحمية الجاهلية نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فضلوا ضلالا بعيدا، وما الله بظلام للعبيد. الرسالة الثانية منها في «ماهية الطريق إلى الله عز وجل» وكيفية الوصول إليه، والغرض منها هو الحث على تهذيب النفس وإصلاح الأخلاق وتطهير السرائر وتنزيه الضمائر، وتنبيه النفوس الساهية عما بعد الموت في المعاد من أحوال القيامة والبعث والنشر والحساب والميزان، والصراط والجواز على جهنم والورود فيها وحقائق معانيها، @QUR018 وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا. الرسالة الثالثة منها في «بيان اعتقاد إخوان الصفا وخلان الوفا» ومذاهب الربانيين الإلهيين، والغرض منها هو وضوح الحجة على بقاء النفوس بعد مفارقتها الجسد الذي يسمى الموت، وحل الشكوك فيها وكشف الشبه بطريق إقناعي لا برهاني؛ إذ الرسالة الجامعة مقصورة على البراهين على ما أشرنا إليه في رسائلنا التي هي كالمدخل إليه والعنوان له. الرسالة الرابعة منها في «كيفية عشرة إخوان الصفا وخلان الوفا» وتعاون بعضهم لبعص بصدق المودة وصحة المحبة ومحض الرأفة والشفقة والتحنن والرحمة، وسيرهم في صلواتهم ومذاكرتهم ومجالستهم واجتماعاتهم، والغرض منها تأليف القلوب والتعاضد في الدين والدنيا جميعا؛ إذ هي سبب نجاتهم والمؤدية إلى خلاصهم.
Página desconocida