Danza de las Sombras Felices

Rihab Salah Din d. 1450 AH
99

Danza de las Sombras Felices

رقصة الظلال السعيدة

Géneros

أومأت أمي برأسها في شرود، ثم نظرت حولها في أرجاء الغرفة فضبطت أعين غيرها من النساء متحفزة، لكن دونما اتخاذ قرار ما. لا شيء يمكن عمله. وهؤلاء الأطفال سيعزفون. عزفهم ليس أسوأ - ليس أسوأ بكثير - من عزفنا، لكنهم يعزفون ببطء شديد، ومن ثم لا مكان يمكن أن ينظر المرء نحوه؛ لأنه من قبيل التهذيب عدم التحديق في هذا النوع من الأطفال، لكن إلى من يمكن أن ينظر المرء أثناء عزف على البيانو إلا إلى العازف نفسه؟ يسود الغرفة جو كأنه جو حلم مرعب لا يستطيع المرء أن يفيق منه. يكاد صوت أمي والأخريات يسمع وهن يحدثن أنفسهن قائلات: «لا، أعلم أن من الخطأ أن أنفر من أطفال كهؤلاء، أنا لا أشعر بالنفور. لكن أحدا لم يخبرني أنني سآتي هنا لأستمع لعزف مجموعة من الأطفال ... الأطفال المعتوهين، فهذا هو الوصف الفعلي لهم ... أي نوع من الحفلات هذه؟» رغم ذلك زاد تصفيقهن، وصار أكثر نشاطا، وكأن لسان حالهم يقول: دعونا على الأقل نتلهى بهذا التصفيق حتى ننتهي من هذا الأمر. لكن لا أمارات تدل على أن البرنامج سينتهي.

تذكر الآنسة مارسيللا اسم كل طفل كما لو كان سببا للاحتفال. الآن تذكر اسم دولوريس بويل! فتاة في سني، طويلة الساقين، نحيفة إلى حد ما ولها نظرة حزينة وشعر أشقر مائل للبياض، ها هي تقوم من تكومها على الأرض. جلست إلى البيانو وبعد أن التفتت لفتة خفيفة وأزاحت شعرها الطويل إلى خلف أذنيها، بدأت تعزف.

اعتدنا أن ننتبه للعزف، في حفلات الآنسة مارسيللا، لكن هذا لا يعني أن أحدا من الموجودين كان يتوقع أن يستمع إلى موسيقى حقيقية. لكن هذه المرة كانت الموسيقى تفرض نفسها بسلاسة، دون أن تبذل جهدا كبيرا في شحذ الاهتمام، لدرجة أننا لم نندهش. لم يكن ما تعزفه هذه البنت مألوفا. كان شيئا رقيقا ولطيفا ومرحا، يحمل في طياته الحرية الموجودة في سعادة ليست مشبوبة العاطفة. جل ما تفعله هذه البنت - وهو الشيء الذي لم يكن المرء يتوقع أن أحدا سيفعله - هو أنها كانت تعزف على نحو يجعل هذه الأشياء محسوسة. كل هذا أحسسناه، حتى في غرفة معيشة الآنسة مارسيللا في شارع بالا ذات عصر سخيف. كل الأطفال كانوا هادئين، أطفال مدرسة جرين هيل والآخرون أيضا. وكانت الأمهات جالسات، تستحوذ على وجوههن نظرة احتجاج، وقلق أشد من ذي قبل، وكأن شيئا ما ذكرهن بشيء كن قد نسينه. كانت جلسة الفتاة الشقراء الشعر إلى البيانو تفتقر إلى الرشاقة، رأسها متدل للأسفل، بينما كانت موسيقاها تسبح عبر الباب والنوافذ المفتوحة إلى الشوارع الرمادية الحارة.

جلست الآنسة مارسيللا إلى جانب البيانو وهي تبتسم للكل ابتسامتها المعتادة. لم تكن ابتسامة انتصار أو تواضع. لم تكن تبدو مثل ساحر يرقب وجوه الأشخاص كي يشاهد عليها ما أحدثه أحد العروض المبتكرة من تأثير. لا! لم تكن من هذا النوع؛ لكن يمكن أن تقول إنها، وقد شارفت حياتها على النهاية، ووجدت من تستطيع أن تعلمه - بل من يجب أن تعلمه - العزف على البيانو، فإن من شأنها أن تتوهج إشراقا من أهمية هذا الاكتشاف. لكن يبدو أن عزف البنت بهذا المستوى كان دائما أمرا متوقعا بالنسبة لها، تراه طبيعيا ومرضيا، فالأشخاص الذين يؤمنون بالمعجزات لا يحدثون الكثير من الهرج والجلبة انبهارا برؤيتهم إحداها في الواقع. بل إنها لا يبدو عليها أنها تنظر لهذه البنت نظرة أكثر تعجبا من نظرتها لبقية أطفال مدرسة جرين هيل، الذين يحبونها، أو بقيتنا نحن، الذين لا نحبها. بالنسبة للآنسة مارسيللا، ما من هدية غير متوقعة، وما من احتفال يشكل مفاجأة.

انتهت البنت من العزف. كانت الموسيقى تملأ الغرفة ثم ذهبت، وبطبيعة الحال لم يدر أحد ما ينبغي أن يقول؛ لأنها حالما انتهت تبين واضحا أنها نفس البنت التي كانت قبل العزف، مجرد بنت من مدرسة جرين هيل. إلا أن الموسيقى لم تكن من نسج الخيال. لا مجال للهروب من الحقائق. وهكذا بعد دقائق قليلة بدأ العزف يبدو - برغم براءته - مثل خدعة، خدعة في غاية النجاح والتسلية، بالطبع، لكن ربما - كيف يمكن قول ذلك؟ - ربما ليست «ملائمة» تماما؛ لأن موهبة البنت، التي لا سبيل لإنكارها، عديمة الفائدة رغم كل شيء، في غير محلها، ولا تشكل في حقيقة الأمر شأنا يحب أي شخص أن يتحدث عنه. بالنسبة للآنسة مارسيللا هذا أمر مقبول، أما بالنسبة للأشخاص الآخرين، الذين يعيشون في العالم، فهو ليس كذلك. لكن لا بأس، عليهم أن يقولوا شيئا ما، وهكذا راحوا يشيدون بالموسيقى نفسها: يا لروعتها! يا لجمال المقطوعة! ما اسمها؟

قالت الآنسة مارسيللا: «رقصة الظلال السعيدة» ثم كررتها بالفرنسية، وهو ما لم يضف أي شيء لأي أحد من الحضور. •••

بعد ذلك، ونحن في طريقنا بالسيارة عبر الشوارع الحارة ذات القرميد الأحمر، تاركين المدينة، تاركين وراءنا الآنسة مارسيللا وحفلاتها التي لم تعد محتملة بعد الآن، ولن نحضرها ثانية للأبد، أخذت أتساءل: لماذا كنا عاجزتين عن أن نقول ما كان يفترض بنا أن نقوله: «يا للآنسة مارسيللا المسكينة!»؟ إن رقصة الظلال السعيدة هي التي منعتنا، تلك الرسالة البليغة من ذلك العالم الآخر الذي تحيا فيه الآنسة مارسيللا.

Página desconocida