يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض فقال له أبو بكر رضي الله عنه ولم يا رسول قال لأنهم وأزوجهم في رباط إلى يوم القيامة» فاحمدوا الله معشر الناس على ما أولاكم فتمتعوا في ريفكم ما طاب لكم فإذا يبس العود وسخن الماء وكثر الذباب وحمض اللبن وصوح البقل وانقطع الورد من الشجر فجيء إلى فسطاطكم على بركة الله ولا يقدمن أحد منكم ذو عيال إلا ومعه تحفة لعياله على ما أطاق من سعته أو عسرته أقول قولي هذا وأستحفظ الله عليكم
1
انتهى.
وكان عمر يخطب والناس يسمعون وقد تخشعوا لما قاله من الأوامر والنواهي فقال سعيد لعبد الله همسا والله إنه لنعم الأمير وشلت يد تقتله والله منذره لذلك متى دنا الأجل المضروب فلم يجبه سعيد مخافة أن يلحظ أحد شيئا مما هما فيه.
وبعد تمام الصلاة خرج الناس وخرج عبد الله وسعيد واجتمعوا في ساحة المسجد خارجا وتعارفوا فعرف عبد الله رجلا من غفار كان له معه صداقة فدعاه وسعيدا إلى منزله ليقيما عنده فاعتذرا فألح عليهما فسارا معه لئلا يوجب ابتعادهما شبهة فأنزلهما في منزل له في خطة اسمها خطة خارجة بن حذاقة فأمر الغفاري عبدا له استلم الراحلتين وسار بهما إلى المربط ودخل بالضيفين إلى غرفة لم يريا فيها نافذة إلا كوة في أعلاها فعجبا وهم عبد الله بالاستفهام عن ذلك وأوقفه التأدب فلحظ الغفاري استغرابه فقال له لا تعجب لحال هذه الغرفة فإن كذلك سائر أبنية الفسطاط.
فقال عبد الله إني والله يا أخا غفار لفي عجب عجاب مما أرى فما الذي دعا إلى هذه الأقفال. فقال الغفاري اعلما أن خارجة بن حذاقة صاحب شرطة مولانا الأمير عمرو ابن العاص هو أول من ابتنى غرفة في الفسطاط. فلما علم بذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يومئذ كتب إلى الأمير عمرو بن العاص أن «ادخل غرفة خارجة وانصب فيها سريرا وأقم عليه رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير فإن اطلع من كواها فاهدمها» ففعل ذلك عمرو فلم يبلغ الكوى فأقرها
2
فلم يجسر أحد أن يبني غرفة بعد ذلك إلا على هذا الوصف وهو بالحقيقة أضمن للحجاب.
الفصل الرابع والثلاثون
عين شمس
Página desconocida