فقال الثالث: «وهذا رأيي أنا أيضا لأننا إن لم نعين اليوم كان المجال واسعا ونخشى إذا سبق أحدنا الآخر ولم ينجح أو قتل أو قبض عليه أن يخاف الباقيان ويرجعا. فنعين اليوم والساعة».
فقال الأول: «إن الساعة لا يمكن تعيينها ولكننا نعين الليلة فليكن عملنا في ليلة واحدة. في أي الشهور نحن الآن؟
قالا: في جمادى.
قال: «فليكن موعدنا رمضان المبارك حتى لا نعيد الفطر إلا والمسلمون كافة في راحة وإذا قتلنا لقينا ربنا وقد فعلنا ما علينا. فاختاروا ليلة من ليالي رمضان».
قال الثاني: «إني أختار الليلة السابعة عشرة من ذلك الشهر فما قولكم».
2
قالوا: «إنها خير ليلة». ونهضوا وسعيد يخاف أن يمروا به فيروه ولكنهم داروا حول الكعبة كأنهم يطوفون بها ولبث هو ينتظر عودتهم فلم يعودوا. فلما استبطأهم علم أنهم خرجوا من باب آخر أو داروا وتحولوا إلى الباب الذي دخلوا منه. فرفع رأسه ونظر حوله فلم ير أحدا ولا سمع صوتا. فنهض وطاف حول الكعبة فتحقق أنهم خرجوا. فجلس هنيهة يفكر في ما مر به وهو يحسب نفسه في حلم لغرابة ما رآه واتفاق حدوثه في الليلة التي أوصاه جده فيها أن لا يقتل عليا. ونظر إلى الأفق فاستقبلته الزهرة تتلألأ كأنها تبشره بإقبال الفجر. وتذكر جده فقال لأعودن إلى المنزل قبل أن يطلع النهار ويخرج الناس. فعاد يلتمس البيت.
الفصل الحادي والعشرون
آخر العهد بأبي رحاب
ولما اقترب من المنزل خفق قلبه مخافة أن يكون جده قد أصاب حتفه في غيابه فدخل الدار فرأى السكوت مستوليا عليها فاستبشر والتمس الحجرة التي كان جده نائما فيها فرأى المصباح لا يزال مضيئا فأطل من الباب فرأى عبد الله جالسا بجانب الفراش وجده نائم. فنظر إلى عبد الله كأنه يستطلعه الحال فنهض لاستقباله ووجهه باش فاطمأن باله وقبل أن يلقي التحية ابتدره عبد الله قائلا: لقد شغلت بالنا بغيابك فإن جدك أفاق من نومه مرارا والتمس أن يراك ونحن لا نعرف مكانك وقد ألح كثيرا في طلبك.
Página desconocida