وبلغني أن الكناني دافع عنهما حتى قتل. ولقد أعجبني قول امرأة من كنانة رأت ابن ارطاة مارا بعد تلك الفاجعة فقالت له: «يا هذا قتلت الرجال فعلام تقتل هذين والله ما كانوا يقتلون الأطفال في الجاهلية ولا الإسلام. والله يا ابن ارطاة إن سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء».
3
هذه يا ولدي أعمال معاوية وعماله فأين هي من أعمال الإمام علي فكيف ننقم عليه بعد ذلك ونقول أنه قتل عثمان وإن يستوجب القتل؟
الفصل السادس عشر
الخوارج
ولم يتم الشيخ كلامه حتى خارت قواه وعجز عن الكلام ومل القعود فاستلقى على ظهره وهو يلهث والعرق يتصبب عن جبينه فخاف سعيد عليه فأسرع إلى منديل مسح به عرقه وأتاه بلبن كانوا أعدوه له فشربه واستلقى يلتمس الراحة وسعيد جالس إلى جانبه وقد وقع في حيرة عظمى. فتصور عهده لقطام والصك الذي كتبه على نفسه ولبث صامتا وجده الشيخ يلتفت إليه خلسة يراقب عواطفه. فأدرك ارتباكه وعلم أنه يفكر بقطام وأهلها فحول وجهه نحوه وهو لا يزال مستلقيا وقال: «أظنك تفكر في قطام وأهلها الخوارج وقد يخيل لك أن خروجهم من طاعة علي قد يطعن بصدق ما قلته لك ولكنهم لم يخرجوا إلا طمعا في الدنيا فانتحلوا سببا لا يسمعه عاقل إلا هزأ بهم وأيقن تعديهم. خلعوا طاعة علي لأنه قبل بالتحكيم المشهور وما ذنبه وهم الذين أجبروه على قبوله وهب أنه أخطأ فهل يخرجون عليه ويحاربونه. ولكنهم رأوا معاوية قام في الشام وكاد يفوز بالخلافة فطمعوا هم بالحكومة لأنفسهم فاجتمعوا على نقض البيعة ويؤيد ذلك أنهم ولوا عليهم رئيسا منهم وبايعوه ولكنهم فشلوا في حروبهم وعادت العائدة عليهم.
وليس فشلهم بالدليل على سوء نياتهم ولكنني أتلو عليك حكاية سمعتها من رجل أثنى بصدق روايته قال: إن الخوارج عند أول خروجهم من طاعة علي على اثر رجوعهم من صفين نزلوا عن النهروان فرأوا رجلا يسوق بامرأة على حمار فدعوه فانتهروه فأفزعوه وقالوا له من أنت. قال أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله (
صلى الله عليه وسلم ). فقالوا له أفزعناك. قال: نعم. قالوا: لا روع عليك حدثنا عن أبيك حديثا سمعه من رسول الله (
صلى الله عليه وسلم ). قال: أنه تكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيه بدنه يمسي فيها مؤمنا ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا. فقالوا: لهذا الحديث سألناك فما تقول في أبي بكر وعمر؟. فأثنى عليهما خيرا. قالوا: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها. قال: إنه كان محقا في أولها وفي آخرها. قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده. قال : إنه أعلم بالله منكم وأشد توقيا على دينه وأنفذ بصيرة. فقالوا: إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحدا. فأخذوه وكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى متم حتى نزلوا تحت نخل مواقير فسقطت منه رطبة فأخذها أحدهم فتركها في فيه فقال آخر: أخذتها بغير حلها وبغير ثمن فألقاها ثم مر بهم خنزير لأهل الذمة فضربه أحد بسيفه فقالوا هذا فساد في الأرض فلقي صاحب الخنزير فأرهباه فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى فما علي منكم من بأس إني مسلم ما أحدثت في الإسلام حدثا ولقد أمنتموني قلتم لا روع عليك. فأضجعوه فذبحوه فسال دمه في الماء وأقبلوا إلى المرأة فقالت إني امرأة ألا تتقون الله. فبقروا بطنها. هذه أعمال أعداء علي وهذا هو علي كيف ننقم عليه بل كيف نقتله أو نساعد على قتله بل كيف نسكت عن قتلته ولا ندافع عنه.
الفصل السابع عشر
Página desconocida