قالت «كيف تتركني وحدي في ذلك البيت ألم تخف علي أبناء السبيل».
قال «ألم تري أني أقفلت الباب وأوصدته خوفا عليك من ذلك».
قالت «كيف تفعل بي هذا الفعل ألعلي عاصية أمرك»واستغرقت في البكاء.
فتحركت فيه عاطفة الأبوة وظنها تقول ذلك في سذاجة فقال لها «وكيف خرجت».
قالت «لما رأيت نفسي حبيسة هناك خفت على حياتي فجعلت أناديك وأستغيث بك ثم سمعت قرقعة وضجيجا ووقع حوافر كثيرة فازداد خوفي فصحت واستجرت فقيض الله لي بعض الناس فتح الباب بالعنف فخرجت وهرولت إلى البيت وأنا ارتعد من شدة الإضطراب».
فطيب خاطرها ولامها على خوفها ولكنه سر لظنه بانطلاء حيلته عليها. ومازال يهون عليها حتى تظاهرت بالرضاء فتركها وخرج وهو يظنها عازمة على الرقاد ثم سمعت خولة لغط الناس في المدينة فانتبهت إلى الجند لا يلبثون أن يبتغوا بيت الغفاري فإذا رأوا سعيدا هناك قبضوا عليه فخرجت لإنقاذه كما تقدم. وقبل خروجها أوصت عبدها أن يوصد الباب وإذا سأل والدها عنها أن يقول له إنها نامت وأوصدت الباب وراءها لشدة ما اعتراها من الخوف في ذلك المساء. فبات والدها تلك الليلة وهو يحسبها نائمة أما هي فبعد إنقاذها سعيدا عادت إلى غرفتها وهي لا تزال مضطربة فلم تستطع رقادا وجعلت تفكر في طريقة تنقذ بها عبد الله ولم تمكث قليلا حتى سمعت لغطا في دار والدها وفهمت من خلال اللغط أن عمرا عول على إغراق أسراه تلك الليلة في النيل وسمعت والدها يضحك سرورا بذلك القرار. فأسفت أسفا شديدا ولبثت برهة تفكر في ماذا تعمل حتى حدثتها نفسها لشدة التأثر أن تخرج في أثر الخارجين لعلها تستطع إنقاذ عبد الله. فاستغفلت والدها وكان قد ذهب إلى فراشه وخرجت وأوصدت الباب وراءها كالمرة الأولى وبلال نائم أمام عتبته وسارت تلتمس ضفة النيل حيث ظنت أنهم ساقوهم وهي عزلاء لا سلاح معها ولكنها إنما اندفعت إلى الخروج بحميتها. فالتقت هناك بسعيد ودار ما دار بينها وبينه ووعدته بإرسال عبدها ليصحبه إلى الكوفة كما تقدم. ثم عادت وحدها.
فلما أشرفت على المنزل رأته هادئا وأهله نيام فانسلت إلى الدار فرأت عبدها بلالا نائما فأيقظته فهب من رقاده مذعورا وكانت تعلم باستهلاكه في مرضاتها فدعته إلى غرفتها فتبعها فلما خلت به قالت «أتدري لماذا دعوتك».
قال «كلا يا مولاتي ولكنني رهين أشارتك».
قالت «أتطيعني يا بلال».
قال «كيف لا وأنا عبدك ورهين إشارتك».
Página desconocida