وكان الحسن هو الذي أمر بإحضار ابن ملجم ليقتله عملا بوصية أبيه فلما حضر بين يديه نظر إلى ما حوله فرأى الناس ينظرون إليه بأعين تلتهب حنقا وكل يود أن يقتله بيده فلم يعبأ ابن ملجم بما يراه ولم يصبر حتى يخاطبه أحد منهم فنظر إلى الحسن وقال «هل لك في خصلة إني والله قد أعطيت الله عهدا أن لا أعاهد عهدا إلا وفيت به وإني عاهدت الله عند الحطيم أن أقتل عليا ومعاوية أو أموت دونهما فإن شئت خليت بيني وبينه. فلك عهد الله علي إن لم أقتله ثم بقيت أن آتيك حتى أضع يدي في يدك».
فقال له الحسن «لا والله حتى تعاين النار».
2
وكان الناس قد جاءوا بالنفط والبواري والنار وقالوا «نحرقه».
فقال عبد الله بن جعفر وحسين بن علي ومحمد بن الحنفية دعونا نشتف أنفسا منه. فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم ثم كحل عينيه بمسمار محمي فلم يجزع وجعل يقول «إنك لتكحل عيني عمك بمكحول محمص». وجعل يقرأ «اقرأ بسم ربك الذي خلق» حتى أتى على آخر السورة وإن عينيه لتسيلان على خديه ثم أمر به فعولج على لسانه ليقطعه فجزع فقيل له «قطعنا يديك ورجليك وسملنا عينيك يا عدو الله فلم تجزع فلما صرنا إلى لسانك جزعت».
فقال «ما ذاك من جزع إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فواقا لا أذكر الله». فقطعوا لسانه ثم جعلوه في قوصرة فأحرقوه بالنار.
3
الفصل الثامن والستون
سر جديد
ولما اشتم سعيد رائحة القثر المتصاعد عن بقايا ابن ملجم اشتفى غليله ولكنه مازال قوله «إن قطاما خطيبتي وإن قتل علي مهر لها» يرن في أذنه وازداد تعجبا من دهاء تلك المرأة واستغرب أن يكون في النساء واحدة في مثل ذلك الدهاء وتذكر ما مر له معها من الوعود وما ارتكبته في سبيل الانتقام لوالدها وأخيها من الجرائم وكم قتل بسببها من الرجال وعبد الله ابن عمه في جملتهم. فلما تصور ذلك كاد يتقد غيظا وظل برهة وهو غارق في مثل هذه الهواجس لا ينتبه لما دار حوله من الأحاديث ولا فقه لاشتغال الناس في مبايعة الحسن ولم ينتبه حتى ناداه بلال فقال «ألا تخرج بنا يا مولاي من هذا المكان إن لي كلاما أقوله لك».
Página desconocida