El hombre que no puede ser movido

Hitayrus d. 1450 AH
26

El hombre que no puede ser movido

الرجل الذي لا يمكن تحريكه

Géneros

كانت تلك الفرنسية قد اشترت حريتي، وقدمت لي المال، طبخت لها الشاي لآخر مرة، وكلمتها مرة أخرى، كان دورها لتقص لي حكايتها، حكاية أخيرة، وجلس معنا المترجم، ككل مرة، جلستنا الأخيرة، قالت لي في آخر كلمات لها، آخر كلمات أذكرها عنها: ابحث عن عائلتك، أنت رجل حر الآن، مثل كل وقت، لا تتوقف عن البحث، ولا تنظر خلفك.

لم أنبس ببنت شفة، انخفضت على ركبتي أبكي، كانت قد وضعت يدها على رأسي تخبرني أن كل شيء على ما يرام، ثم انخفضت بانخفاضي، رفعت رأسي إليها، قبلت جبيني، كانت تبكي بدورها، تبكي مبتسمة وهي تقول: أخبره، اجعل كلماتي حقيقية، أخبره ما يلي: جعلتني أبكي أيها العربي (ترجم المترجم عنها). - آسف سيدتي (بصعوبة ترجم كلامي). - فقط، عد إليها (كان قد قالها بصفة أخرى).

واتجهت تلك الفرنسية رفقة قافلتها نحو مكان ما، وعدت إلى هذا المكان لأبحث عن عائلتي، فقد غادروا قريتنا قبل زمن، وتأكدت أقوال العرب؛ كان ذلك المكان باب الجحيم في الأرض، لكنهم أخطئوا في شيء واحد؛ لم يكن الله من أنزل ذلك الباب، كان الشيطان من أقامه، لم تكن تلك أسطورة باب أنزل من الجحيم أو رفع منه، كانت تلك حقيقة بشر أقاموا بابا للشيطان، وتحدثوا باسم الرب لتغطية أعمالهم، وتصور لهم الشيطان في صفة الرب، والرب غني عن التصور بأي صورة. افترقت عن أصدقائي، ربما مات السيد الفرنسي، أو هو أكمل التوغل في الصحراء وحده يبحث عما يؤمن به، ربما صادف قطاع طرق آخرين، لكنني أعلم أنه على الأقل اكتشف شيئا من هذه الرحلة، لا أعلم إن استمر في رحلته أو هو بدأ رحلة جديدة، وتلك السيدة الفرنسية لا أعلم إن هي لقيت مرادها، وكان مرادها أبسط شيء سمعته، والأكثر تعقيدا، ولا أعلم أين هي عائلتي في هذا العالم، وها أنا أبدأ رحلتي، أعظم رحلة، رحلة كنت لأخبر بها والدي، ولأول مرة فهمت لما قال لي والدي يوم وفاته أن تلك رحلته المقدسة، كان يلاحق حبه، كان يتبع عائلته، وها أنا اليوم أخوض رحلة أشبه بتلك، ها أنا أبحث عن عائلتي، مثل والدي، ها أنا ألاحق حبي الوحيد. ومرة أخرى صدق والدي فيما علمني، ومرة أخرى أكتشف أن والدي وككل الأيام التي عشتها إلى جانبه، كان والدي على حق، ككل مرة.

القسم الأخير

في ذلك المساء رافقت ذلك العربي، نحو أرجاء المدينة، بحثا عن عائلته، سألنا عن اسم زوجته ابنة الغزالي، وكنت أراقبه وهو ينظر بحب إلى كل شيء، كان يراقب كل الموجودات، كان يتلهف لرؤية تلك الأمور البسيطة التي لا نراها عادة، اشترى الحلوى لجميع الأطفال الذين صادفناهم أثناء بحثنا، وزع العديد من القطع النقدية على كل شخص، كان أشبه بطفل صغير يلج هذا العالم في دهشة، وما كان بمقدور أحد أن يفسر أفعاله تلك، اعتقد الجميع أنه مجنون آخر، لكنني آمنت بأنه رجل حر، يستمتع بحريته، بكونه سيدا للمرة الثانية، يعيشها كفرصة يعرف قيمتها أكثر من أي وقت مضى، كأنه ولد من جديد، كان متفائلا بإيجاد عائلته، أخبرني أنهم ينتظرونه في مكان ما، كان يثق في ذلك، فقد أخبرني أنه، إن هو قضى كل هذه السنين في العبودية ليتمكن بعدها من اكتساب حريته، إن كان قد تحول ما رآه يوما مستحيلا إلى حقيقة، فإن إيجاد عائلته أبسط من ذلك، وأنه سيجدها إن هو انتظر مرور الوقت، مثلما انتظر في عبوديته، إن هو بحث دون توقف، أخبرني أن مشاكلنا رهينة الزمن، وأنه لا شيء يتمكن من هزيمة الزمن، حتى آلامنا هي فقط ستندثر بمرور الوقت، وبحثنا عن زوجته في كل مكان، كنا نستعمل اسمها للبحث، اسم عائلتها. علم هو من بعض الأشخاص في القرية أنها بالمدينة هنا، أنها غادرت القرية قبل مدة، وبحثنا في كل مكان وبعد مدة، لم نجدها.

لم يتخل ذلك الرجل عن بحثه عن زوجته، غادرته ذلك اليوم إلى ابنتي، لم أتغير معها، أو مع أي شخص آخر. ومرت الأيام، مرت ثمانية عشر شهرا، كانت زوجتي قد عادت رفقة رجل آخر، زوج يشبهني في كل شيء، إلا طباعي الغريبة، أخذت ابنتنا معها وغادروا الجزائر، كانت قرب طائرة أكبر حصلت عليها من مراكش وخلقت لحظة الوداع ، قالت لي يوم مغادرتها: ستبقى الرجل المفضل لدي (توقفت قليلا لتأخذ نفسا)، سأحبك دوما، حتى إن عشت أنا برفقة رجل آخر، حتى إن كنت تشبه جدك مثلما أخبرتني؛ دي لا بوت. - سأشتاق إليك، لكنني سأنسى ذلك، مثلما نسي دي لا بوت، بعد زمن سأنسى أن أشتاق إلى أحد (نظرت إلى الطائرة في الخلف). - عزيزي (بصعوبة). - نعم عزيزتي (بصوت خشن يخفي خلفه بكاء داخليا قويا). - أنت لن تتغير! صحيح؟ (ابتسمت.) - الأمر خارج عن سيطرتي (بكبرياء غريبة وقوية)، لا للأسف. - تعلم أنني أحببتك (قبلتني قبلة طويلة)، أتمنى لك حياة سعيدة (تكلمت عند شفتي) أتمنى أن تحاول أن تحب القدر (قبلتني للمرة الأخيرة وابتعدت). - غير ذلك (أحرك أصابعي وأرتجف)، متى سأرى ابنتي؟ (محاولا الثبات.) - عزيزي سنجول العالم (ابتسمت) لكنني أعدك أن الجزائر ستكون محطتنا المفضلة، ربما يوما ما سنزورك (نظرت إلى الخلف حيث الطائرة)، وإلى ذلك اليوم، إلى اللقاء. - إلى اللقاء (بصعوبة).

ثم غادر الجميع، وأصبحت الجزائر مكانا فارغا، اختفت فرنسا، اختفى العالم من الجزائر، وأصبحت الجزائر للعرب مرة أخرى، لم أتزوج بعد ما حدث، ونسيت ذلك تماما، مثلما نسيت أن أبحث عن المشرد لأخبره أنني وجدت زوجته، ثم مرت سنوات كنت خلالها ألتقي ابنتي، أو تراسلني إن تعذر ذلك، ثم توفيت أنا في إحدى المزارع البعيدة بسبب العضال وغادرت تلك الحياة.

وها أنا هنا أجلس وحيدا في هذا المكان، أردت أن أبكي بشدة، تشجعت مرة أخرى، وجلست هادئا كنت أنتظر محاكمتي، وقد مر وقت على جلوسي بهذه الغرفة الخشبية المتسعة، كانت محكمة لا أذكر كيف دخلتها أو لأي سبب، دخلتها في يوم من الأيام، ربما في أول مرة أخلد فيها، وكل ما كنت أعلمه أنه ما كان يجب أن أغادر مكاني إلا إذا سمح لي بذلك، مثلما حدث في القاعة الأخرى أين تحدث إلي العديد من الرجال، ثم دخل علينا القاضي ويتبعه قضاة آخرون، كان الجميع يحمل دفاتر بيضاء يسيرون في انفراد، وبعضهم يتهامس عما كتب في تلك الدفاتر، لم أقف احتراما لهم، بينما فعل الحشد من خلفي ذلك، فلم تكن هذه محكمة تقليدية، فلا يهم إن احترمت القاضي أو لم أفعل، ففي كل الأحوال أنا في نظره، بشر لا يعي معنى الاحترام، بيد أنهم جلسوا بعد أن جلس الحشد من خلفي، نظر القاضي إلي مدة ثم قال: ششششش، هدوء، لو تفضلتم وتوقفتم عن التحدث والضحك.

ثم طرق على الطاولة ونظر يوجه إلي الكلام: أنت تعلم لم أنت هنا، وأنت تعلم ما حدث معك؛ لذا ربما سنمنحك فرصة أخرى، لكن هل تعلم ما حدث معك كما نراه نحن؟ (خفض رأسه ليراني.) - أجل (ترددت قليلا)، أخبروني بذلك في قاعة أخرى. - آه ممتاز، يجب أن تفهم أن ما حدث معك كان أكبر من أن تفهمه يومها. - أجل ربما سأتذكر أن أفعل (التفت إلى كل الزوايا). - استدعيناك لأننا وجدنا لك فرصة جديدة؛ فرصة من نسلك. - وإذا؟ (في تساؤل.) - لا نعلم إن كنت ستستمر في فعل ذلك! استهلكت الكثير من الفرص، والأهم أن تعلم أن ما نفعله هنا جدي، أن تؤمن شرط لنا، يجب أن تؤمن، ليس كآخر مرة، ستؤمن بالقدر فقط ... سيد! هل تذكر اسمك الأول؟

وقبل أن أجيب تذكرت ما أخبروني به في القاعة الأخرى (في حياة كنت قد عشتها، لا أذكرها حقا، فقد عشت الكثير من الحيوات، كانت هذه إحداها، هكذا أخبروني، أنا لا أصدقهم)، حقيقة لا أذكر بداية الأمر، إلا أنني كنت أجلس قرب طاولة حديدية ووضع عليها مدونة بيضاء وقربها يستقر عدد من الأوراق المتناثرة، وأول ما أذكره أنني كنت أنظر إلى تلك الأوراق الغريبة، كانت تذكرني بمكتبي القديم، فقد وضعت بشكل ما، شكل دفعني إلى الإحساس أن هذا قد حدث من قبل، ثم رفعت رأسي إلى الجدران الأربعة التي تحيط بي، جدران بيضاء متماثلة في كل شيء وبكل جدار باب أشبه بالجدار الذي بجانبه وحتى أشبه بالجدار الذي يقابله، فلا يدرك الداخل إلى الغرفة أي باب دخل منه، فلا بداية للغرفة ولا نهاية، وتماثل كل شيء في الغرفة؛ سقف أشبه بالأرضية، والجدار أشبه بما تبقى من الجدران؛ فصعب علي التفكير في شيء آخر، التفت إلى كل مكان، إلى كل زاوية، ودرت ببطء أراقب كل باب، ولما بلغت آخر حائط وجدت عند الباب رجلا ببذلة سوداء، كان يقف ساكنا ينظر إلي. - أين أنا؟

Página desconocida