Rahmán y Shaytán
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Géneros
أخيرا، لا بد من بوح شخصي بخصوص دوافع هذه الدراسة وبواعثها، ولماذا الشيطان في هذا الأوان!
في هذه الفترة القاتمة من زمن الإنسان، أن يبدو الشيطان وقد أمسك بزمام العالم، وأن ينمو الشر مثل الفطر في كل تربة وأرض، نحن أحوج ما نكون إلى تقصي طبيعة الشر على كل مستوى، ولعل الابتداء بالرمزية الدينية (وهي اختصاصي على كل حال) تكون فاتحة لمثل هذا التقصي الضروري في أعماق النفس وفي الآفاق، علنا نمسك ببعض الخيوط التي تتحكم بالمستقبل المجهول، الذي تلوح لنا سنواته القريبة المقبلة وكأنها ترف فوق هاوية الجحيم.
حمص
كانون الثاني (يناير)، 2000م
الفصل الأول
الثنوية الكونية
الثنوية الكونية هي معتقد تم تطويره في ارتباط مع معتقد التوحيد، وذلك في المنطقة المشرقية
1
فيما بين أوائل الألف الأول قبل الميلاد وأواسط الألف الأول بعد الميلاد، وقد نشأ معتقد التوحيد عن معتقد «وحدانية العبادة» السابق عليه، والذي يقوم على عبادة إله واحد والإخلاص له من دون بقية الآلهة التي لا ينكر وجودها. كما نشأت وحدانية العبادة بدورها عن الوثنية التعددية التي تقوم على عبادة مجمع للآلهة مؤلف من مراتبية هرمية للقوى الإلهية، تقدم لها جميعا فروض العبادة، كل بما يناسب مقامه وأهمية القوة الطبيعانية التي يمثلها بالنسبة إلى حياة الجماعة.
يمكن تعريف الثنوية الكونية بأنها المعتقد الذي يقول بقيام مبدأين أو أصلين متناقضين وراء مظاهر الوجود وصيرورة الزمن والتاريخ، وهذان المبدآن شيمتهما الصراع من أجل أن يلغي أحدهما الآخر، وصراعهما يدفع عجلة الزمن وتاريخ العالم والإنسانية نحو نهاية محتومة عبر ثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي مرحلة العصر الذهبي للخليقة قبل أن يعدو الشر على الخير، والثانية هي مرحلة امتزاج الخير بالشر، والثالثة هي مرحلة الفصل بين الخير والشر والقضاء نهائيا على قوى الشر لكي يعود العالم طيبا ونقيا وكاملا كما كان، أو من أجل الارتقاء به من حالة الوجود المادي إلى حالة الوجود الروحاني.
Página desconocida