سفرة وألحوا علي في الطلب وعلى الرغم من أنني ما كنت عازما على شيء من الإلقاء لأوفر ما بقي لي من نشاط وعمر لإتمام بعض مشاريعي العلمية - وما أكثرها - رأيت أنه لا بد من أحقق طلبتهم ورغبتهم الطيبة فوعدتهم خيرا وأعلنت لهم أنني سألقي عليهم درسا كل يوم خميس بعد صلاة المغرب في دار أحد إخواننا الطيبين هناك قريبا من داري. وتحقق ذلك بإذن الله تعالى فألقيت الدرس الأول ثم الثاني من كتاب (رياض الصالحين) (١) للإمام النووي بتحقيقي وأجبتهم بعد الدرس عن بعض أسئلتهم الكثيرة المتوفرة لديهم والتي تدل على تعطشهم ورغبتهم البالغة في العلم ومعرفة السنة
وبينما أنا أستعد لإلقاء الدرس الثالث إذا بي أفأجأ بما يضطرني اضطرارا لا خيار لي فيه مطلقا إلى الرجوع إلى دمشق حيث لم يبق لي فيها سكن وذلك أصيل نهار الأربعاء في ١٩ شوال سنة ١٤٠١ هـ فوصلتها ليلا وفي حالة كئيبة جدا وأنا أضرع إلى الله تعالى أن يصرف عني شر القضاء وكيد الأعداء فلبثت فيها ليلتين وفي الثالثة سافرت بعد الاستشارة والاستخارة إلى بيروت مع كثير من الحذر والخوف لما هو معروف من كثرة الفتن والهرج والمرج القائم فيها والوصول إلى بيروت محفوف بالخطر ولكن الله ﵎ سلم ويسر فوصلت بيروت في الثلث الأول من الليل قاصدا دار أخ لي قديم وصديق وفي حميم فاستقبلني بلطفه وأدبه وكرمه المعروف وأنزلني عنده ضيفا معززا مكرما. جزاه الله خيرا
فلما استقر في منزله قراري وارتاح من وعثاء السفر بالي كان من الطبيعي جدا أن أهتبل فرصة هذه الغربة الطارئة فأتوجه بكليتي إلى الدراسة والمطالعة في مكتبته العامرة الزاخرة بالكتب المطبوعة منها والمخطوطة النادرة فرغبت منه أن
_________
(١) هذا في طبعته الأولى التي صدرت بظروف قاهرة غير أننا أعدنا صفه وطبعه مجددا في طبعة متقنة مفهرسة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. - زهير
1 / 6