رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله - ضمن «آثار المعلمي»
رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله - ضمن «آثار المعلمي»
Investigador
عثمان بن معلم محمود بن شيخ علي
Editorial
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٣٤ هـ
Géneros
رسالة العبادة
(رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله
والفرق بين التوحيد والشرك بالله)
للعلَّامة
أبي عبد الله عبد الرحمن بن يحيى بن علي المعلِّميِّ اليمانيِّ المكِّيِّ (١٣١٢ - ١٣٨٧ هـ)
تحقيق
عثمان بن معلِّم محمود بن شيخ علي
مقدمة 2 / 1
راجع هذا الجزء
محمد أجمل الإصلاحي
عبد الرحمن بن حسن بن قائد
مقدمة 2 / 3
مقدمة التحقيق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١].
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧١].
أما بعد ..
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (^١).
_________
(^١) هذه خطبة الحاجة، وقد وردت من حديث ابن مسعود، أخرجه أحمد (١/ ٣٩٢) وأبو داود (٢/ ٢٣٨ ح ٢١١٨) والترمذي (٣/ ٤٠٤ ح ١١٠٥) والنسائي (٣/ ٨٥) وابن ماجه (١/ ٦٠٩ ح ١٨٩٢)، وأخرجه مسلم (٣/ ١١ - ١٢ ح ٨٦٧، ٨٦٨) من حديثي جابر وابن عباس مختصرًا. وقد أفردها العلَّامة الألباني برسالة مستقلة.
مقدمة 2 / 5
هذه رسالة العبادة للعلَّامة عبد الرحمن بن يحيى المعلِّمي، وهي عظيمة القدر لجلالة الغرض الذي أُلِّفت من أجله، وهو تحديد معنى العبادة التي يكون صارفها لله وحده مسلمًا موحِّدًا، وجاعل شيء منها لغيره مشركًا مندِّدًا، وقد اقتضى ذلك من المؤلِّف أن يستقرئ كتابَ الله وسنة رسوله ﷺ، وكتبَ التفسير والحديث واللغة والتاريخ وغيرها.
وقد جمع فيها المؤلِّف علمًا جمًّا، وحرَّر المسائل التي بحثها تحريرًا بالغًا.
والمعلِّمي ممن أوتي فهمًا في الكتاب والسنة، وحاز أدوات البحث والتحقيق، فإن يمَّمت شطر علم التوحيد بفروعه ألفيتَه قائد لوائه، ويشهد على ذلك كتابه «القائد إلى تصحيح العقائد» و«دين العجائز أو يسر العقيدة الإسلامية»، و«رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله وتحقيق معنى التوحيد والشرك بالله»، وهو مشهور بكتاب «العبادة»، وهو الذي أقدِّم له هنا، و«عمارة القبور» و«التأويل»، ورسائل كثيرة.
وإن نظرت إلى علوم الحديث روايته ودرايته، فهو حامل رايته، ومرصّع جواهره، وقد كتب رسالة «أحكام الجرح والتعديل وخبر الواحد»، و«الاستبصار في نقد الأخبار»، و«العمل بالحديث الضعيف»، وحرَّر رسالة «علم الرجال وأهميته»، وألّف «الأنوار الكاشفة لما في كتاب (أضواء على السنة) من الزلل والتضليل والمجازفة»، فدافع فيه عن السنة النبوية دفاعًا مجيدًا. وصنّف كتابه البديع «التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل» الذي طبقت شهرته الآفاق. وحقَّق «التاريخ الكبير» للبخاري، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم الرَّازيِّ، و«الأنساب» للسمعاني، و«الإكمال» لابن ماكولا.
مقدمة 2 / 6
فلا غَرْوَ أن وَصَفَه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بأنه من أهل التحقيق في هذا العلم الشريف (^١) (يعني علم الحديث).
وظهرت ملكته الفقهية فيما درسه من مسائل فقهية شائكة، سواء في كتابه التنكيل، أو بحوثه المفردة، كرسالة الربا ورسالة المواريث في نحو ثلاثين رسالة فقهية، إضافة إلى فتاوى كثيرة في مسائل متفرقة.
وله جهود جيِّدة في التفسير برزت في تفسيره لسورٍ وآيات أفردها بالتفسير، مثل تفسيره للبسملة والفاتحة، وتفسيره لسورة البقرة، وتفسيره لسورة الفيل، وآيات متفرِّقة في كثير من السور، وأفرد بعضها بتأليف مستقلٍّ مثل: تفسير قوله تعالى: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾، وتفسير قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾.
وأما العربية فهو ابن بجدتها ومالك ناصيتها، سهَّل الله له التعبير عن المعاني التي يريدها بأسلوب جمع بين جزالة اللفظ وجماله، وسلامة المعنى ووضوحه، وله كتب في النحو، وبحوث في البلاغة ومنشأ اللغات.
وقد درس حياته العلمية عددٌ من طلبة العلم، فكتب الأخ منصور بن عبد العزيز السماري رسالة ماجستير مقدَّمة إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية بعنوان «الشيخ عبد الرحمن المعلمي وجهوده في السنة ورجالها» وطُبعت عام ١٤١٨ هـ.
وأعدَّ الأخ أحمد بن علي يحيى محمد بيْه رسالة ماجستير مقدَّمة إلى الجامعة نفسها بعنوان «منهج المعلِّمي وجهوده في تقرير عقيدة السلف» ونوقشت في ٢٥/ ٧/ ١٤١٦ هـ.
_________
(^١) التنكيل ١/ ٤٣٨ - الطبعة القديمة (التعليق).
مقدمة 2 / 7
وكتبتْ هدى بنت خالد بالي رسالة ماجستير بعنوان: «عبد الرحمن المعلمي وجهوده في السنة» وهي مقدَّمة إلى قسم الدراسات الإسلامية في كلية التربية للبنات بمكة المكرمة.
وأفرده الأخ أحمد بن غانم الأسدي بترجمة سمّاها: (الإمام عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني حياته وآثاره).
وفي مقدمة هذه الموسوعة ترجمة حافلة للشيخ.
وقد حبَّب الله إليَّ هذا العالم، وحبَّب إليَّ كتاباته، فاستفدتُّ منها في دروسي وبحوثي، منذ نحو ربع قرن، ولم أفكر في تحقيق شيء من كتبه إلَّا قريبًا.
ومن الكتب التي طال انتظارُ أهل العلم لها رسالة «العبادة»، واسمها الكامل «رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله، وتحقيقُ معنى التوحيد والشرك بالله».
فأحببت إخراجها للناس أقربَ ما تكون إلى ما أراده المؤلِّف، لكنَّني اصطدمت بعائق النقص الكبير الموجود في الكتاب، فيسَّر الله بمنِّه وفضله تكميل معظم النقص، وسأشرح ذلك بإذن الله عند الحديث عن طبعتنا.
وقد مهَّدتُ للرسالة بدراسة تضمَّنت التعريف برسالة العبادة، وبيان منهج التحقيق، ووصف النسخ.
* * * *
مقدمة 2 / 8
التعريف برسالة العبادة
* أوّلًا: عنوان الكتاب:
اسم الكتاب كاملًا: «رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله وتحقيق معنى التوحيد والشرك بالله».
كذا ذكره المؤلف في مقدمة رسالة «حقيقة البدعة» (^١).
وقد يختصره أحيانًا إلى «رسالة العبادة» (^٢)، وهو الأكثر استعمالًا.
* ثانيا: تحقيق نسبة الكتاب إلى المعلِّمي ﵀:
ثمَّة أمور تؤكد ثبوت نسبة هذا الكتاب للمعلِّمي، من ذلك:
١ - أنه قلَّما يخلو كتاب من كتب المعلِّمي المطبوعة والمخطوطة من الإشارة إلى رسالته هذه، والإحالة عليها.
فمن ذلك كتابه «التنكيل» (^٣)، قال فيه عن رسالة العبادة: «هو كتاب من تأليفي، استقرأت فيه الآيات القرآنية ودلائل السنة والسيرة وغيرها؛ لتحقيق ما هي العبادة، ثم تحقيق ما هو عبادة لله مما هو عبادة لغيره».
_________
(^١) ضمن مجموع رسائل العقيدة، ص ٨٧.
(^٢) المصدر السابق ص ١٠٨ - ١١٣ أحال فيها على رسالة العبادة أربع مرَّات، وانظر: رسالة «تفسير سورة الفاتحة»، فقد أكثر فيها من الإحالة على رسالة العبادة، فقد وجدت في ص ٩٠ - ٩٢ منها ستَّ إحالات إلى رسالة العبادة.
(^٣) التنكيل ٢/ ٤٣٥ - ضمن هذه الموسوعة، وانظر: الحاشية السابقة أيضًا.
مقدمة 2 / 9
٢ - الكتاب كثير منه بخطِّ المعلِّمي. ومَنْ له أُنس بكتب الشيخ المخطوطة لا يرتاب في خطِّ الشيخ، مع قرب العهد، وتسلسل هذه المعلومة بطريق الثقات.
ومسوَّدات الكتاب دالَّة على ذلك.
٣ - وقد ذكره له جُلُّ مَن ترجم له (^١).
٤ - وذكره المؤلف في إحدى محاضراته في دائرة المعارف في حيدراباد (^٢)، ولخص فيها الباعث له على جمع ذلك الكتاب والطريقة التي سلكها.
٥ - وقد أشار في هذا الكتاب إلى أن له رسالة مستقلة في حكم العمل بالحديث الضعيف (^٣).
٦ - في الرسالة إشارات إلى أمور شاهدها في اليمن وفي الهند، وهما البلدان اللذان قضى فيهما أكثر حياته (^٤).
* ثالثًا: تاريخ تأليف المعلِّمي لكتابه العبادة:
أشار المؤلف إلى هذا الكتاب في كتابه التنكيل، مما يؤذن بتقدُّمه عليه أو مقارنته له، وقد كان المعلِّميُّ أثناء تأليفه للتنكيل في الهند، ويؤكّد ذلك ما نقله زكريا عبد الله بيلا عن المعلمي من قوله وهو يتحدَّث عن الطليعة:
_________
(^١) انظر مثلًا: مجلَّة العرب ١/ ٢٤٥ مقال خير الدين الزركلي، والأعلام ٣/ ٣٤٢ له.
(^٢) كما في دفتر مسودات صور برقم ٤٩٣٠ في مكتبة الحرم المكي.
(^٣) انظر ص ٢٤٩.
(^٤) انظر ص ٢٥٦، ٧٥٢، ٩٢٣ لذكر اليمن، و٢٦٤، ٦٨٣ - ٦٨٤ لذكر الهند.
مقدمة 2 / 10
«فإني لما أرسلت من الهند إليه الكتاب للاطلاع عليه ...» (^١). ثم وقفت في إحدى مسوَّدات الشيخ بالرقم العام ٤٩٣٠ على مسوَّدة محاضرة أعدَّها المؤلف لإلقائها في المؤتمر العلمي الذي تعقده دائرة المعارف العثمانية في حيدراباد في الهند كل سنة، قال في بداية المحاضرة: «كان وكنت مشغولًا منذ مدة بجمع كتاب في تحقيق معنى الإله والعبادة في الإسلام فاقتطعت منه فصلًا أعرض ملخصه على مسامعكم». فقطعت جهيزةُ قولَ كلِّ خطيب، وثبت بذلك أنَّ تأليف الكتاب كان والشيخ في حيدراباد الدَّكَن من الهند؛ وقد كان خروجه من الهند أوَّل أوْ ثاني ذي القعدة من عام ١٣٧١ هـ (^٢)، فيكون تأليف الكتاب قبل هذا التأريخ؛ إلَّا أنَّ المؤلِّف لم يزل يعيد النظر في كتابه ويضيف إليه ويحذف منه، كما تدلُّ على ذلك مبيَّضة الكتاب الأولى وما تلاها.
* رابعا: أهمِّية الكتاب وقيمته العلمية:
تكمن أهمية الكتاب في كونه يعالج أمرًا مهمًّا يتعلَّق بأصل الدين، ألا وهو تفسير كلمتي العبادة والإله، اللَّتين على فهمهما يتوقَّف فَهمُ معنى كلمة التوحيد التي هي أساس الإسلام وقاعدته، وقد وقع في الكلمتين اشتباه عريض وغفل أكثر العلماء المتأخِّرين عن دفع هذا الاشتباه لأسباب ذكرها المؤلف (^٣)، «والشأن إنما هو في تحقيق ما غُفل عنه» (^٤).
_________
(^١) انظر: الجواهر الحسان في ترجمة الفضلاء والأعيان من أساتذة وخُلَّان ٢/ ٥٦٤.
(^٢) كما في حديثه عن رحلته إلى الجزيرة (المخطوط رقم ٤٧٢١).
(^٣) انظر: رسالة «تفسير سورة الفاتحة» ص ١٠٧.
(^٤) انظر: رسالة «تفسير سورة الفاتحة» ص ١٠٨.
مقدمة 2 / 11
وأما قيمة الكتاب العلمية فتتَّضح من مكانة مؤلِّفه الإمام المعلمي، وتضلُّعه من مختلف الفنون التي لا بدَّ منها في خوض غمار مثل هذا الأمر العظيم.
ثم مما أبداه من التحقيق العلمي والتدقيق الجليِّ في هذا الكتاب، وقد قال عنه: «استقرأتُ فيه الآيات القرآنية ودلائل السنة والسيرة وغيرها لتحقيق ما هي العبادة، ثم تحقيق ما هو عبادة لله مما هو عبادة لغيره» (^١).
ثم من كونه لم يسلّم زمامه لأحد من الأئمة فضلًا عن غيرهم، بل (^٢) كما قال عن نفسه يستقي مسائله من عين الأدلة غير مقلِّد لأحد في هذا الأمر.
هذا مع كونه لا يُغفل أقوال الجهابذة، بل يجمع شتاتها وما تفرَّق منها في هذا الأمر العظيم، فاستخرج من أقوالهم جملة من الدُّرَر، منها ما هو صريح فيما توصَّل إليه، ومنها ما هو مستلزم له قطعًا، «ولكنها خبايا في الزوايا وشذرات في الفلوات» (^٣). والمعلِّمي ذو اطِّلاعٍ واسع فلا غرو أن يأتي باللآلئ الخفيَّات من بطون المحيطات.
فتبيَّن مما ذكرنا أنَّ الكتاب مهمٌ في مسائله، قيِّمٌ في تحقيقاته، فريدٌ في بابه، حريٌّ بالنشر والمطالعة والمدارسة.
_________
(^١) التنكيل ٢/ ٤٣٥.
(^٢) انظر نسخة (س) من كتاب العبادة ٢٤ ب.
(^٣) انظر: رسالة «تفسير سورة الفاتحة» ص ١٠٧.
مقدمة 2 / 12
* خامسًا: موضوع الكتاب ومنهج المصنِّف فيه:
أ- أما موضوعه فيكفينا في الدَّلالة عليه عنوانه؛ إذ هو «رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله، وتحقيقُ معنى التوحيد والشرك بالله».
ولم يُحْوِجْنا المؤلِّف إلى تتبُّع سطور كتابه للتَّهَدِّي إلى موضوع رسالة العبادة، بل صرّح به في عدّة مناسبات، في الكتاب نفسه، وفي غيره من كتبه، ولا يسعنا إلا أن ننقل شيئًا من ذلك، فمنها:
قوله في رسالة العبادة (^١): «واعلم أنَّ موضوع هذه الرسالة هو البحث عن حقيقة التوحيد، ووزنُه بهذه الكلمة الطيبة [يعني: لا إله إلا الله] التي جعلها الشرع عَلَمًا له ليتضح شأن الأمور المختلف فيها، أمنافية هي للتوحيد أم لا؟ والغالب أن الجاهل بمعنى لا إله إلا الله يكون جاهلًا بحقيقة التوحيد، ومَن كان كذلك يُخْشَى عليه أن يكون مشركًا وهو لا يشعر، أو أن يَعْرِضَ له الشرك فيقبله وهو لا يدري، أو أن يرمي غيره من المسلمين بالشرك بغير بيِّنة، وكلا الأمرين خطر شديد».
وقوله في رسالة الشفاعة (^٢): «قد جمعتُ رسالة مطوَّلة في تحقيق العبادة المطلقة، أي: أعمّ من أن تكون لله ﷿ أو لغيره، فوجدتُ عبادة غيره تشابك مسألة الشفاعة بحيث لا يمكن تحديد العبادة ما لم تتحدَّدْ الشفاعة وما يتعلَّق بها».
_________
(^١) ص ٢٢ من نسخة (أ).
(^٢) ضمن مجموع رسائل العقيدة، ص ٣٠١.
مقدمة 2 / 13
وقوله في خطبة نخب الفوائد من الأصول والقواعد: «جمعتُ رسالة في تحقيق معنى العبادة ومعنى الإله لينكشف بذلك معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ويتضح ما يكون تأليهًا وعبادةً لغير الله تعالى وشركًا به ممَّا ليس كذلك، وحاولتُ استيفاء النظر في ذلك» (^١).
هذا موضوع الكتاب الإجمالي، ومحوره الذي يدور عليه.
وأرى ألَّا أترك موضوعات الكتاب التفصيليَّة التي تناولها بالشرح والبيان دون إعطاء القارئ نُبذًا دالَّة عليها، كاشفة حجابها، فأقول ملخِّصًا (^٢):
* بدأ المؤلِّف رسالته ببيان الباعث له على الكتابة في هذا الموضوع، ثم عقد بابًا عنونه بـ «تحتُّم العلم بمعنى لا إله إلا الله، وفيه شرائط الاعتداد بقولها» بيَّن فيه أهمَّ شروط لا إله إلا الله، ومن أعظم تلك الشروط: شرط العلم بمعناها؛ إذْ مَنْ لا يعرف معناها لا يُؤْمَنُ عليه أنْ يقع فيما يَنْقُضُها. وأن يكون قولها على سبيل الاعتراف والتصديق والتسليم والرضا.
وأهمُّ تلك الشروط على الإطلاق: شرطُ التزام الشاهد مدَّة حياته أن يعبد الله ولا يشرك به شيئًا؛ لأن الشهادة إعلان بقبول ما أرسل اللهُ به رسولنا محمدًا ﷺ مِن تصديق أخباره والانقياد للأمر والنهي، وأوَّل ذلك الأمر بعبادة الله وحده واجتناب الشرك أسوة بما أُرسلت به سائر الرسل، قال تعالى لنبيه: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٦٤].
_________
(^١) صفحة ملحقة برسالة البسملة والفاتحة.
(^٢) ومن أراد التوثُّق من صفحات ما سأسرده فليستعن بفهرس الموضوعات.
مقدمة 2 / 14
* ثم عقد الشيخ بابًا ثانيًا عنونه بـ «باب في أنَّ الشرك هلاك الأبد حتمًا وأنَّ تكفير المسلم كفر» بيَّن فيه أنه لا ينبغي للمسلم أن يتهاون بهذا الأمر لأنه أصل الدِّين، وأورد الآيات والأحاديثَ المتعلِّقة بهاتين المسألتين: مسألة خطورة الشرك، وقضية رمي المسلم بالشرك من غير بيِّنة، وأوضحُ دليل من السنة على المسألة الأخيرة قولُه ﷺ: «مَن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدُهما»، وعَقد له البخاري بابًا سماه: باب بيان حال إيمان مَنْ قال لأخيه المسلم: يا كافر.
* ثُمَّ عقد المؤلف بابًا ثالثًا في أصول ينبغي تقديمها:
الأصل الأول: حجج الحق شريفة عزيزة كريمة، بيَّن فيه أن الله خلق الخلق لعبادته، وخلقهم قابلين للكمال، ومكَّنهم من العمل؛ لكنهم لا ينالون الجنة والدرجات العالية إلا بمقاساة عناء ومشقة، وهو الابتلاء، ومِنْ لازم الابتلاء الاختلافُ، ومن لازم الاختلاف استحقاقُ بعضهم الجنة وبعضهم النار. وطلبُ حجج الحق من جملة العبادة، ولا بد أن يكون دون منالها عناء ومشقَّة.
الأصل الثاني: الحجج والشبهات.
بيَّن فيه أنَّ الحجج العلمية تَعْتَوِرُها بواعث على الخيانة فيها، وموانع من الخيانة فيها، وأساس ذلك الهوى الذي يتفاوت قوَّة وضعفًا، والتشبُّث بالشبهات الكثيرة. ويعارضها المانع الدنيوي؛ وهو الخوف من الفضيحة بين الناس إذا عاند الشخص وردَّ الحجج بالشبهات الساقطة.
الأصل الثالث: إصابة الحق فيما يمكن اشتباهه.
مقدمة 2 / 15
وهي تتوقف على ثلاثة أمور:
- التوفيق للحق.
- الإخلاص الخالي من الهوى.
- بذل الوسع في تعرُّف الهوى وتطهير النفس منه، ولزوم التقوى، مع طلب العلم الضروري في العقائد والأحكام من أهله الراسخين فيه.
* ثم دَلَف إلى فصل في حكم الجهل والغلط بناه على قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]، وردَّ على الذين فسَّروا لفظ الرسول في الآية بالعقل، وبيَّن أنَّ الله ناط التكليف باجتماع ثلاثة أمور:
- بلوغ الحلم.
- مع سلامة العقل.
- مع بلوغ الدعوة.
ثم أوضح أنَّ شريعة إبراهيم وإسماعيل ــ ﵉ ــ بلغت مشركي العرب قبل بعثة محمد ﷺ، وحافظوا عليها أمدًا طويلًا حتى بدَّلها عَمرو بن لُحَيٍّ، بعد رَفْع عيسى ﵇ بنحو مائتي سنة، فالحجَّة قائمة عليهم في الجملة.
ثم قسم الناس إلى ثلاث طبقات:
- مَنْ لم يبلغه خبر دعوةٍ أصلًا.
- مَنْ بلغه الخبر.
- مَنْ أسلم.
مقدمة 2 / 16
ثم فصَّل ما يلزم كلَّ طبقة من الجِدِّ في طلب الحقِّ وتحرِّيه، وترك التقصير.
ثم أتى بأمثلة وشواهد تثبت العذر بالجهل والغلط، وجَمَعَ بين النصوص التي يُظنُّ تعارضُها في ذلك.
ومما أورده في الأعذار حديث الرجل الذي أوصى أولاده بحرقه إذا مات، وحديث المقداد إذ منعه الرسول ﷺ مِن قتْل مَن قال: أسلمت لله؛ فيُحتج به للدخول في الإسلام بكلِّ ما يدلُّ على الدخول فيه، من قولٍ أو فعلٍ ما يتنزَّل منزلة النطق بالشهادتين. وقد حكم النبيُّ ﷺ بإسلام بني جَذيمة الذين لم يُحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، وجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا.
وحَكَمَ النبيُّ ﷺ بإسلام الرجل الذي قتله أسامة بعد ما قال: لا إله إلا الله؛ لأن الظاهر من قوله: لا إله إلا الله، أنه أراد بها الدخول في الإسلام.
* ثم تحدَّث الشيخ عن المنتسبين إلى الإسلام وقَصَرَ الكلام على من يكفِّره بعضُ قرَّاء كتابه، أو يتردَّدون فيه، بسبب الشرك، فبيَّن الشيخ أنَّ كلَّ مكلَّف من هؤلاء لا بدَّ أن يكون قد ثبت له حكم الإسلام، إما بدخول الشخص في الإسلام مع كون آبائه كفارًا، أو حُكِم له بالإسلام تبعًا لأبويه، أو لأحدهما، فإن كان القارئ يُسلِّم بصحة إسلام التابع فلا كلام، وإن كان يقول: آباؤه متلبِّسون بالشرك وإن ادَّعوا الإسلام، فالجواب أنَّ أوَّل جَدٍّ تلبَّس بالمحْدَثات إمَّا أن يكون هو الذي دخل في الإسلام، وإمَّا أن يكون ابنَ رجل مسلم لم يتلبَّس بها. وعلى كلا الحالين قد ثبت لهذا الجدِّ حكم الإسلام اتِّفاقا، ومن ثبت له حكم الإسلام فالأصل بقاؤه عليه، ولا يخرج عنه إلا بحجة واضحة، وأنت لا تعلم قيام الحجة على ذلك الجدِّ الذي
مقدمة 2 / 17
تلبَّس بتلك المحدثات، فبقي على إسلامه، فتبعه ابنه في الإسلام، فيبقى له حكم الإسلام، إلى آخر نقاشه القويِّ المفحم (^١).
ثم أفاض في أحوال الكفار الذين لم يدخلوا في الإسلام، وفصَّل أحكامهم بما ينبغي مطالعته.
* وبعد فراغه من هذا الفصل شرع في الكلام على الباب الرابع الذي عقده لبيان أمور يستند إليها بعض الناس، ويستدلُّون بها على إثبات هذه الأمور المحدثة في العقيدة، وهي غير صالحة للاستناد إليها.
ومنها: التقليد، وقد بيَّن الشيخ عدم كفايته في بناء أصول الاعتقاد عليه، بدلالة الأدلَّة التي اشترطت العلم بمعنى لا إله إلا الله، كقوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: ١٩]، وحديث سؤال القبر الذي فيه: «وأما المنافق والكافر ــ وفي بعض الروايات: المرتاب ــ فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول كما يقول الناس، وأما المؤمن فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدَّقت» ولا يخفى أيُّ الرجلين المقلِّد.
والمعنى الدقيق للتقليد هو العمل بقول مَن ليس قولُه إحدى الحجج بلا حجَّة (^٢).
ولم يقصد الشيخ مِن منع التقليد إيجاب النظر على طريقة المتكلمين، بل يرى النظر على طريقة السلف، وهو أمر متيسِّر لكل أحد، حتى العامَّة.
_________
(^١) انظر ص ١٥٧ - ١٦٣.
(^٢) تيسير التحرير ٤/ ٢٤١.
مقدمة 2 / 18
وعلى طالب الحق إذا اختلف عليه العلماء أن ينصب نفسه منصب القاضي، فيسمع قول كل واحد منهم وحجَّته، ثم يقضي بالقسط.
وأكثر العلماء المنتسبين إلى المذاهب لم ينصبوا أنفسهم منصب القضاة، بل نصبوا أنفسهم منصب المحامين، فلا يسمع من أحد منهم إلا كما يسمع القاضي من المحامي.
قال الشيخ: إذا كان الأمر كما علمت في تقليد العلماء، فما بالك بتقليد المنسوبين إلى الخير والصلاح بدون أن يكونوا أئمة في العلم؟
والحامل للناس على تقليد مَن يُنسب إلى الخير والصلاح اعتقادُ العصمة فيهم، وسببُ اعتقادهم العصمة فيهم اعتقادُ الولاية فيهم، والباعثُ على اعتقاد الولاية فيهم ظهورُ الخوارق على أيديهم، ثم برهن الشيخ على أن ظهور الخوارق لا يدلُّ على ولاية مَن ظهرت على يده. وأكثر ما يُنقل من تلك الخوارق اخترعها مريدوهم زاعمين أنَّ ذلك يُقرِّبهم إلى الله وإليهم.
ثمَّ ذكر أقسام الخوارق وأنَّ منها معجزة للأنبياء، وكرامة للأولياء، ومنها إهانة للدَّجَّالين، واستدراج لبعض الدَّجَّالين كالدَّجَّال الأعور ليمتاز المؤمن عن علمٍ ومعرفةٍ مِن غيره.
وذكر الشيخ من الخوارق الشعبذة، وقوَّة نفسيَّة تُكتَسبُ بالرياضة التي أساسها الجوع والسَّهَر والخلوة وجمع الفكر، وما يُسمَّى بالكشف، وهو لا يعدو أن يكون نوعًا من الرؤيا في أحسن أحواله.
* وأما الأمر الثاني الذي يستند إليه كثير من أهل زماننا في الاعتقاد هو أنهم يحتجُّون بآيات من كتاب الله تعالى، ويفسِّرونها برأيهم بما لم يُنْقل عن السلف ولا تساعده اللغة العربية ولا البلاغة القرآنية، وهكذا يصنعون
مقدمة 2 / 19
بالأحاديث الثابتة، فينبغي للمسلمين ألَّا يغترُّوا بأحد يحتجُّ بالكتاب والسنة على الأمور المشتبهة.
* والأمر الثالث الذي يستند إليه كثير من الناس هو الاحتجاج بالأحاديث الموضوعة والضعيفة، وكذلك بالآثار المكذوبة عن السلف، أو التي لم تصحَّ.
ويحتجُّ بعضهم بالضعيف مع اعترافهم بضعفه قائلين بأن فضائل الأعمال يُتسامح فيها، مُغْفِلين أنَّ الفضائل إنما تُتَلقَّى من الشارع فإثباتها بالحديث الضعيف اختراع عبادة، وشرعٌ في الدين لما لم يأذن به الله.
* وذكر المؤلِّف من الأمور التي يستند إليها بعض الناس في باب العقائد: مجرَّد العقل والقياس، مع أنَّ للعقل حدًّا ينتهي إليه كما أن للبصر حدًّا ينتهي إليه، وللعقل أغلاط دقيقة وخفيَّة أشدّ من أغلاط الحواسِّ الأخرى.
وقد حكى الله عن طوائف من المشركين استنادهم إلى مجرَّد رأيهم وقياسهم في عبادتهم غير الله زاعمين أنهم بشركهم معظِّمون لله، وأنهم ليسوا بأهلٍ أن يعبدوا لله مباشرة لحقارتهم، ولا بدَّ من واسطة يتوسَّطون بها.
ويحتجُّ بعض الناس بآيات من كتاب الله أو سنة ثابتة عنه ﷺ، ويغفل أو يتغافل عن عدَّة آيات أو سنن أخرى تعارض استدلاله؛ فإنَّ الكتاب والسنَّة كالكلام الواحد.
ومن الناس مَن تغلب عليه العصبيَّة للرأي الذي نشأ عليه، ويستغني بمحبته لذلك الرأي عن أن يتطلَّب له حجَّة، ويمتنع من أن يُصغي إلى الأدلَّة التي يتمسَّك بها مخالفُه.
مقدمة 2 / 20
* وقد خاض في مسألة التوحيد مَنْ لم يكن له علم راسخ بالقواعد، ويقع اللَّوم على مَن صدَّره ونَحَلَه العلمَ والإمامة بغير استحقاق، مع أننا نجد أفرادًا لا يؤتَون من جَهْل بالقواعد وإنما يؤتَون من مخالفتها.
والقواعد هي ما تشتمل عليه علوم الاجتهاد من إتقان اللغة العربية وطول الممارسة لها، ومعرفة أصول الفقه على وجه التحقيق لا التقليد، ومعرفة مصطلح الحديث وطرفٍ صالح من معرفة الرجال ومراتبهم وأحوالهم، وكثرة مطالعة كتب الحديث حتى تكون له مَلَكَة صحيحة في معرفة العِلل والترجيح بين المتعارضات، ومعرفة السيرة النبوية وأحوال العرب قبل الإسلام. وكذلك معرفة العلماء ومراتبهم، وكثرة تدبُّر كتاب الله.
ولْيَكُنْ فهمه مطابقا للقواعد العلميَّة، مع الإخلاص ومجانبة الهوى والتعصب وحبِّ الجاه والشهرة، مع المحافظة على الطاعات والتنزُّه عن المعاصي بقدر الاستطاعة، والإكثار من دعاء الله أن يوفِّقه للحق. ويلتزم باحترام العلماء والصالحين، وإن خالف بعضَهم لدليلٍ فلا يحتقرهم.
* ونبَّه المؤلِّف على قاعدة مهمَّة وهي: وجوب حمل النصوص على ظاهرها، والظاهر قد يترقَّى إلى القطع إذا عَضَدَتْه ظواهر أخرى.
* ومن الناس مَن يتهاون بقضيَّة الفصل بين التوحيد والشرك قائلًا: «إنما الأعمال بالنيات»، والحديث إنما تعرَّض للفصل بين الأعمال الشرعية التكليفيَّة وبين غيرها، فأما أحكام تلك الأعمال فإنما تؤخذ من الأدلَّة الأخرى، والكافر إذا زعم أنه يتمسَّك بكفره طاعةً لله وتعظيمًا له فإنَّ قصده ذلك لا ينفي عنه اسم الكفر ولا حكمه، بل يغلِّظه عليه ويكون كفرًا على كفر.
مقدمة 2 / 21
ثم ختم هذا الفصلَ بقوله: «وبالجملة فتحقيق ما هو شرك وما ليس بشرك متوقف على تحقيق معنى كلمة التوحيد». فذكر أنه يظهر من صنيع بعض علماء الكلام أنَّ معنى (إله) هو المعنى الذي يعبِّرون عنه بـ (واجب الوجود). و«الأمم كلها لا تشرك في وجوب الوجود حتَّى الثَّنَوِيَّة، وقد حكى القرآن عن الأمم المشركين ابتداء من قوم نوح وانتهاء بمشركي العرب الذين بعث فيهم محمد ﷺ أنهم يعترفون بتفرد الله بالخلق والرَّزْق والإحياء والإماتة والتدبير».
قال المؤلِّف: ومن العجائب أنك تجد في هذا العصر كثيرًا من طلبة العلم ــ إن لم أقل من العلماء ــ يتوهَّمون أن المشركين يعتقدون في الأصنام وغيرها أنها واجبة الوجود قادرة على كلِّ شيء، خالقة، رازقة، مدبِّرة للعالَم.
* وتبيَّن مِن بحث الشيخ وتحقيقه في هذه المسألة أنَّ اتخاذ الشيء إلهًا لا يتوقَّف على اعتقاد كونه واجب الوجود، ولا اعتقاد كونه مستغنيًا عمَّا سواه، ولا كونه مدبِّرًا مستقلًّا، بل ولا غير مستقلٍّ؛ فإنَّ الذين ألَّهوا الأصنام لم يعتقدوا لها شيئًا من التدبير.
قال العزُّ في قوله تعالى: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٩٧ - ٩٨]: «وما سوَّوهم به إلَّا في العبادة والمحبة دون أوصاف الكمال ونعوت الجلال».
* ثمَّ قرَّر المؤلِّف برهان التمانع الذي دلَّت عليه بعض آيات القرآن فقال: «تقرير هذا البرهان أنه لو كان مع الله تعالى أحياء يدبِّرُ كلٌّ منهم الخلق والرزق ونحوهما من الأمور العظمى في العالم تدبيرًا مستقلًّا لاختلفوا،
مقدمة 2 / 22