فازداد الشاب دهشة وتمتم متسائلا: ولم؟
فقالت بلهجة هادئة ما استطاعت: لقد حدثت أحد الأطباء فأبدى اهتماما بشأنه، وطلب إلي أن أوافيه بقارورة منه، عسى أن ينقذ بها حياة أحد مرضاه، فوعدته يا بنامون، فهل تعدني بدورك أن تحضرها لي في أقرب وقت؟
فقال الشاب بسرور، وكان يسعده أن تطلب إليه ما تشاء: ستكون محضرة بين يديك بعد ساعات قلائل. - كيف؟ ألا ينبغي أن ترحل إلى أمبوس لإحضارها؟ - كلا .. لدي قارورة في مسكني بآبو.
فأثار تصريحه اهتمامها بالرغم من أحزانها، ورمقته بنظرة دهشة، فخفض عينيه وقد تخضب وجهه احمرارا وقال بصوت خافت: أحضرتها في تلك الأيام الأليمة، حين كدت أشفي من حبي على اليأس، ولولا ما أبديت نحوي بعد ذلك من عطف لكنت الآن إلى جوار أوزوريس!
وذهب بنامون ليحضر لها القارورة؛ أما هي فهزت كتفيها استهانة وقالت وهي تهم بالمسير: قد ألوذ بها مما هو شر منها!
سهم الشعب
صدع طاهو بأمر مولاه، فأدى التحية وذهب يعلو وجهه الارتباك والخوف، وظل الرجلان واقفين ممتقعي الوجه حتى خرج سوفخاتب عن صمته، فقال بتوسل: أضرع إليك يا مولاي أن تعدل عن الذهاب اليوم إلى المعبد.
ولكن فرعون لم يتسع صدره لهذه النصيحة، فقطب جبينه غضبا وقال: أأفر لدى أول هتاف؟
فقال الوزير: مولاي إن القوم هائجون غاضبون، فينبغي التروي. - يحدثني قلبي بأن خطتنا سائرة إلى الفشل المحتوم، فإذا تراجعت اليوم خسرت هيبتي إلى الأبد. - وغضب الشعب يا مولاي؟ - سيهدأ ويسكن إذا رآني أشق صفوفه على عجلتي كالمسلة الشامخة، واقتحام الأهوال ولا التسليم والخنوع.
ومضى فرعون يذرع الحجرة جيئة وذهابا ساخطا شديد التأثر، فسكت سوفخاتب وهو كظيم، وعطف ناظريه إلى طاهو وكأنه يستغيث به، ولكن القائد كان غارقا في الهموم كما بدا من امتقاع وجهه، وشرود نظرته، وثقل أجفانه، فشملهم صمت عميق، ولم يكن يسمع إلا وقع أقدام الملك.
Página desconocida