وأيضًا: فإن كان سؤال العصمة مشروعًا فينبغي للعبد أن يسأل العصمةَ من الذنوب التي (^١) توجب له سخطَ الله وعذابَه، فإنَّ ذلك ــ إن كان ممكنًا ــ أولى بالسؤال من عصمته من موانع العلم بالغيب، فإنّ هذا بدون تلك العصمة يضره ولا ينفعه (^٢)، وتلك العصمة بدون هذا تنفعه، فطلب ما لا (^٣) ينفع وترك ما ينفع من قِلَّة المعرفة بما يُطلب في الدعاء.
وسببُ ذلك ما في النفوس من الكِبْر بالمكاشفات ومطالعة الغيوب، والله تعالى يعاقب هذا الضّرْب بنقيض قصده، كما قال تعالى: ﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ﴾ [غافر: ٥٦].
ولهذا يُحكى عن هؤلاء من المكاشفات (^٤) الباطلة ما يطولُ وصفُه، فإن أُحسِن الظنُّ بأحدهم حُمِل الأمرُ على أنه يتخيّل أمورًا لا حقيقةَ لها فيُخبِر بخياله (^٥)، أو أنَّ جنيًّا يلقي إليه ما يكون كذبًا. فإن أُسيء الظنُّ به قيل: إنه يتعمَّد الكذب، والكشفُ النفسانيُّ والشيطاني لابدَّ فيه من الكَذِب. ولهذا كان الكهَّان ــ وهم من أهل الكشف الشيطاني ــ يخلطون بالكلمة مئة كذبة (^٦).