الرد على الروافض من أهل الغلو
بسم الله الرحمن الرحيم
افترق من ادعا التشيع على ثلاثة عشر صنفا، منهم اثنا عشر في النار وهم الروافض.
1- صنف من الروافض يقال لهم: السحابية، وهم يزعمون أن عليا حي لم يمت [ولا يموت] حتى يسوق العرب والعجم بعصاه، وهم يزعمون أن عليا في السحاب.
2- وصنف آخر يقال لهم الكيسانية: وهم أصحاب محمد بن الحنفية، ويزعمون أنه لم يمت ولا يموت حتى يملأها عدلا كما ملئت جورا.
3- وصنف آخر يقال لهم: الروندية.
4- (وصنف آخر يقال لهم : الموصية)، قادوا الوصية إلى جعفر بن محمد، وزعموا أن الوصية انتهت إليه وهم الروافض.
وافترقوا من عند جعفر، وزعموا أن الوصية وراثة يرث ابن عن أب.
5- ثم افترقت منهم طائفة يزعمون أن جعفر أوصى إلى ابنه إسماعيل، وإسماعيل مات قبل جعفر، وزعموا أنه لم يمت، وذلك الذي دفنه جعفر جذع نخلة، وغيبه جعفر تقية عليه، وقادوا الوصية إلى ولده، وهم يقال لهم: المباركية، يصومون قبل رمضان بيومين، ويفطرون قبل الفطر بيومين، ويزعمون أن الشهر من غيبوبة الهلال إلى غيبوبته.
6- وصنف آخر يقال لهم: الفطحية، منهم زرارة، وحمران، وبكير، ومحمد بن مسلم، وعمار الساباطي، ومعاوية بن عمار، وكانوا يزعمون أن جعفرا أوصى إلى عبد الله ابنه، وهو الإمام من بعده، ثم أوصى عبد الله إلى موسى.
7- وصنف آخر من الروافض يقال لهم: المفضلية، زعموا أن موسى وصي جعفر وهو الإمام من بعده.
8- وصنف آخر يقال لهم: السبطية، زعموا أن جعفر أوصى إلى محمد ابنه، وهو الإمام من بعده، وهو مفقود.
9- وصنف آخر يقال لهم: الخطابية: زعموا أن الإمامة انتقلت من جعفر إلى الخطاب، والخطاب خليفة جعفر ووصيه، وجعفر غائب حتى يرجع.
10- وصنف آخر من الروافض من أصحاب موسى، وقفوا على موسى وزعموا أن موسى حي لم يمت، ولا يموت حتى يملأها عدلا كما ملئت جورا، ويقال لهم الواقفة والممطورية.
Página 397
11- وصنف آخر منهم يقال لهم القطعية، وهم أصحاب علي بن موسى.
12- وصنف آخر منهم يقال لهم البشرية، وهم من أصحاب علي بن محمد أيضا يزعمون أنا إذا عرفنا إمام زماننا فليس علينا شيء من الأعمال لا صلاة ولا صوم، ولا زكاة ولا حج، ولاشيء من الفرائض، حتى يظهر حكم صاحبنا، لأنا في الفترة، وقد غيرت وبدلت الأحكام والفرائض، فليس علينا من هذا شيء إلى يوم القيامة.
وكل من قال بجعفر من الروافض يزعم أن الإمام يخلق عالما، وطبعه العلم، والعلم مطبوع فيه، ويزعمون أن الإمام يعلم الغيب، ويعلم ما في تخوم الأرضين السابعة السفلى، وما في السماوات السابعة العليا، وما في البر والبحر، والليل والنهار عنده مجرى واحدا. فسبحان الله!! وما هذه إلا صفات رب العالمين !!
فكيف يخلقون علماء، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يخلق عالما، ولم يكن طبعه العلم، ولم يعلم إلا بعد تعلم، ولم يعرف حتى عرف! وكيف وقد حدث بعض أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله عن آبائه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أنا عبد مخلوق مربوب لم أكن نبيئا فنبئت، ولم أكن رسولا فأرسلت، ولم أكن عالما فعلمت، فلا تقولوا في فوق طولي) .
وقد قال الله تبارك وتعالى :{ووجدك ضالا فهدى} [الضحى: 7]. فسماه ضآلا ثم هداه، ولم تكن ضلالة رسول الله صلى الله عليه وآله ضلالة شرك، ولا كضلالة قريش، ولا كضلالة اليهود والنصارى، غير أنه كان ضآلا عن الشرائع، أي جاهلا بالشرائع حتى بصره الله وهداه وعرفه، ولم يجهل رسول الله صلى الله عليه وآله رب العالمين.
Página 398
أما بلغك قول الله سبحانه لنبيئه :{وقل رب زدني علما} [طه: 114] ؟! وهل تكون الزيادة إلا من نقصان، فما لم يكن لرسول الله صلى الله عليه، فلا يكون لأحد من خلق الله، وكل عالم بعد جهل يعلم، ولابد أن يقع اسم الجهل على كل خلقه، كيلا يشبه أحد من خلقه به ؛ لأن الله لم يجهل ولم يتعلم. ولم يزل عالما، وكل خلقه بعد جهل تعلموا، والله سبحانه لم يجهل ولم يتعلم. ولو كان على ما قالت الروافض بأن الأئمة علماء غير متعلمين، ولا يجوز الجهل في وقت من الأوقات على أحد من الأئمة، فسبحان الله أفليس قد شبهتموه برب العالمين، إذ لم يجهل صاحبكم ولم يتعلم، أو ليس قد شبهتموه بالله بقولكم، إذ زعمتم أنه يعلم الغيب، ويعلم أعمال العباد (ومواضعهم، وكل رجل باسمه ونسبه، ويعلم ما تلفظونه، ويعلم ما في قلوب العباد)، فسبحان الله عما يقولون ! وهل هذه إلا صفة رب العالمين ؟!
وتأولوا قول الله سبحانه في كتابه لقوله :{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة:125] فيزعمون أن الله ورسوله والأئمة يرون أعمال العباد، فسبحان الله ! كيف يرى ما غاب عنه، وإنما قال الله سبحانه :{اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} إنما عنى تبارك وتعالى أي: فسيرى المؤمنون والأنبياء في الآخرة أعمالكم إذا ظهر الغيب، وانكشف الستر، وكان فريق في الجنة، وفريق في السعير، واستبان للخلق المطيع من العاصي، والكافر من المؤمن، والصالح من الطالح، فكم من مستور عليه يجر إلى عذاب أليم، وكان عند الناس على خلاف ذلك في دار الدنيا.
Página 399
ولو رأى أحد ممن وصفت الروافض، من الأنبياء والأئمة، من غير أن يخبر لم يكونوا يموتون بالسم، ولم يكونوا ليأكلوا السم، فيعينوا على أنفسهم بالقتل، وقد قال تبارك وتعالى :{ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 30]. أو ليس من أكل شيئا من السم وهو يعلم أن فيه نفسه، فقد أعان على قتلها ؟ فإن زعموا أنه أكل السم من الخوف. يقال لهم: من أي شيء يخاف ؟ فإن زعموا أنه إنما يخاف من القتل. فقل لهم: أو ليس قتله بالسم فلا يأكل حتى يقتل مظلوما، خير له من أن يقتل نفسه وهو معين عليها.
وكيف يعلم وقد قال الله تبارك وتعالى :{قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} [الأحقاف: 9]. يعني من حوادث الدنيا، وقد قال الله تبارك وتعالى :{ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم } [التوبة: 101]. فكيف يرى أعمال العباد ؟! هذا كتاب الله يكذب قولكم. ولو كان الأمر على ما وصفتهم، لم يقل تبارك وتعالى بخلاف قولكم، لقوله :{لا تعلمهم نحن نعلمهم} وقد قال تبارك وتعالى :{وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت} [لقمان: 74]. فهل أصحابكم إلا من الأنفس، وقد قال الله تبارك وتعالى :{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} [النحل: 78]. فقد جمعت هذه الآية جميع ولد آدم، لأن كل ولد آدم خرجوا من بطون النساء، كل نبي وغيره، وقد أخبرنا أنهم لم يعلموا شيئا حتى علموا، وقد قال - تصديق ما قلنا في محكم كتابه :{ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } [الشورى: 52]. وجميع دعواكم مكذب له كتاب الله، فيا سبحان الله ما أعظم ما تقولون ! وهل الشرك إلا دون ما تزعمون.
فإن زعموا أنهم يجهلون تأويل كتاب الله، والنظر فيه، ويحتجون علينا بشيء، وتأويله خلاف ما يظنون.
يقال لهم: كيف ذلك ؟
فإن زعموا أنه ليس لأحد ينظر في تأويل كتاب الله، ولا يحتج به إلا الأئمة.
Página 400
يقال لهم: أخبرونا عن القرآن كله ليس لأحد ينظر في كتاب الله، ولا يحتج به إلا الأئمة، ولا يتدبر إلا هم ؟
فإن قالوا : نعم.
فقل لهم: فلم يتعلم الناس كتاب الله وهم لا يتدبرونه ؟ وكيف وقد أكذب الله قولكم بقوله تبارك وتعالى :{أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد: 24]. أفترى هذا قول الله للأئمة ؟!
فإن قالوا: نعم.
فقل: أفلا ترون أن الله قد عاب أئمتكم إذ تركوا تدبر كتاب الله، وعابهم فقال :{أم على قلوب أقفالها} !
فإن قالوا: ليس هذا في الأئمة، وإنما هذا في العوام: أن ينظروا في كتاب الله ويتدبرون فيه.
يقال لهم : أفلا ترون أن الله ألزم العباد النظر في كتابه، وقد قال تبارك وتعالى :{نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم} [البقرة: 101]. أو ليس عابهم لما تركوا النظر في كتابه، ومعرفة ما أمرهم به، ونهاهم عنه، ومعرفة الأولياء من الأعداء، فلما تركوه عابهم بذلك ! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما رويتم وروينا : ( أيها الناس خلفت فيكم الثقلين فتمسكوا بهما لا تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) . وقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أيها الناس قد كذب على الأنبياء الذين كانوا من قبلي، وسيكذب علي من بعدي، فما أتاكم فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فهو مني، وإن لم يوافق كتاب الله فليس مني ) فكيف يدعونا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويأمرنا بشيء ليس لنا فيه النظر ؟ لقوله: ( اعرضوه على كتاب الله ) .
وقوله صلى الله عليه وعلى آله: ( تمسكوا بالثقلين ) فإن كان الإمساك بالقرآن هو القراءة، فقد قرأه جميع أهل الأهواء، فهم ممن حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتمسكوا بكتاب الله.
فإن زعموا أنه لا يكون التمسك إلا النظر فيه، والقيام بما فيه، والعمل به، فقد أطلقوا للخلق ينظرون فيه، ويعرفون الحق من الباطل، وقد وجدنا كتاب الله مكذبا لجميع دعواكم.
Página 401
ثم قالت الروافض: إن الإمامة وراثة يرث ابن عن أب، وتأولوا كتاب الله، وزعموا أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله.
فإن كان الأمر على ما وصفت الروافض، أفليس الابن أولى بالأب من الأخ، وأحق بالوراثة ؟ وأقرب رحما ؟ لأن الابن من الأب، والأخ ليس من الأخ أفليس على مذهب قولكم: أن الحسن بن الحسن أولى بأبيه من الحسين ؟! أو ليس لا يرث الحسين مع الحسن بن الحسن ؟! لقول الله تبارك وتعالى :{إن امرؤ هلك ليس له ولد} [النساء: 176]. أو ليس إذا كان الولد قطع ميراث الأخ والعم ؟! أو ليس الحسن بن الحسن قطع ميراث الحسين بن علي من الحسن ؟! إذا كانت الإمامة على ما وصفتم من الوراثة.
فإن زعموا أن حسينا أولى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقعد من حسن بن حسن.
يقال لهم: أو ليس قد خرج الأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي بن أبي طالب بعد موته ؟ وخرج من علي إلى الحسن، وكان يجب على الحسين طاعة حسن، والأمر للحسن دون الحسين، ويخرج من الحسن إلى الحسن، أو ليس ابن الحسن أولى بالحسن من حسين ؟
فإن زعموا أن الحسن والحسين هما مشتركان في هذا الأمر، وورثا عليا جميعا، فقد تركوا قولهم، ودعواهم بالوصية، إذا كانا مشتركين في هذا الأمر، فمن قام به فهو صاحبه.
فإن زعموا أنه ليس للحسين أن يقوم في وقت حسن، فقد قطعوا الأمر من الحسين في زمان الحسن، لأن طاعة حسن واجبة على حسين، وقد حاز الأمر الحسن دون الحسين، وورثه ابنه الحسن بن الحسن.
Página 402
فإن قالوا : لا يرث حسن بن حسن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحسين قائم ؛ لأن الحسين أقعد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن كان أقرب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( وأقعد فهو أولى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقوله :{وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} [الأنفال:75]. وإنما هذه الآية يعني بها أرحام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). وحسين أقرب رحما برسول الله عليه السلام من حسن بن حسن .
يقال لهم : قد بطلت دعواكم في صاحبكم، لأنه ليس في جميع آل أبي طالب أبعد رحما من صاحبكم، لا يلحق برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا بثمانية آباء، وصاحبكم التاسع، وفي ولد فاطمة من هو أقرب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه، من ليس بينه وبين النبي إلا أربعة آباء، أوليس هذا أقرب رحما، وأقرب قرابة برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ( من الذي زعمتم، فليس لصاحبكم مع هذا أمر ولا نهي ؛ لأن هذا أقرب قرابة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ). وأقعد، فهذا أبطل لدعواكم .
فإن زعمت الروافض أن الحسن بن الحسن كان صبيا، وحسين بالغ، ولا يكون إمام المسلمين إلا بالغا، فصدقتم. يقال لهم أخبرونا عن صاحبكم علي بن موسى حين مات، أليس كان ابنه ابن أربع سنين أو ثلاث ؟ وابنه محمد حين مات كان ابنه صغيرا ؟ فلم نصبتم الأطفال إذا لم يجز لطفل أن يكون إمام المسلمين ؟! هذا يبطل دعواكم، ويدخلكم فيما عبتم !!
Página 403
وزعمتم أنه لا يصلح حسن بن حسن أن يكون إماما لأنه طفل صغير، ثم نصبتم الأطفال، وزعمتم أنهم أئمة، وهما أصغر سنا من حسن بن حسن وكيف - ويحكم - يكون طفل إمام المسلمين ؟! وليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، ولا حكم الإسلام أن يصلى خلف طفل، ولا تؤكل ذبيحته، ولا تقبل شهادته، ولا يجوز بيعه ولا شرآؤه ولا نكاحه، ولا يؤمن على ماله، فمن لم يؤمن على هذه الأشياء، ولا تأمنه على ألف درهم أو أقل أو أكثر، فكيف يأمنه الله على أحكام دينه، ودماء عباده، وفروجهم ؟! ويقيمه مقام الأنبياء ؟! لقوله تبارك وتعالى :{حجة بالغة}. فلا تكون الحجة لله في أرضه إلا عند بلوغه .
وقوله تبارك وتعالى في الأطفال اليتامى :{حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء:6]. فيا عجبا ممن لم يأمنه الله على ماله إلا عند بلوغه فكيف يأمنه على خلافته ؟!
وقد رويتم وروينا أن جعفر بن أبي طالب جلس بين يدي النجاشي فقرأ آية من الإنجيل ففهمها جعفر فضحك، فغضب النجاشي ! فقال: يا جعفر أبكتاب الله تهزأ ؟! والله إن الله أنزل على موسى في التوراة، وعلى داود في الزبور، وعلى عيسى في الإنجيل، وعلى نبيئك في القرآن (أن إذا ولي الخلائق الأطفال نزلت عليهم من السماء لعنة، أو أفرغت عليهم من السماء لعنة) فكيف - ويحكم - يكون الطفل إمام المسلمين .
وإن زعمت الروافض بأن يحيى بن زكريا كان صبيا وكان نبيئا !
يقال لهم: أحكم الأنبياء وحكم الأئمة واحد ؟
فإن قالوا : نعم .
Página 404
يقال لهم : فبم بان الأنبياء من غيرهم ؟ إلا أن الأنبياء أعطوا ما لم يعط غيرهم من الأئمة، وأعطي الأئمة ما بانوا به من سواهم من الخلائق. مع أن يحيى بن زكريا لم يرسل إلى أحد من خلق الله، وكان نبيا ولم يكن مرسلا، ولم يل أحكام الأمة، وكانت الأحكام إلى غيره إلى زكريا مع أن يحيى دعاء زكريا إذ قال :{فهب لي من لدنك وليا} [مريم: 5]. وقال :{وزكريا إذ نادى ربه قال رب لاتذرني فردا وأنت خير الوارثين} [الأنبياء: 89]. وقال :{رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء} [آل عمران: 38]. فوهب الله يحيى إجابة لزكرياء، وكان في وقت يحيى الحجة زكرياء.
فإن زعمت الروافض أن عيسى بن مريم تكلم في المهد صبيا .
يقال لهم: أفتزعمون أن عيسى بن مريم، وصاحبكم شيء واحد ؟! ألا ترى أن الله يعجب به خلقه، وأخبرهم بقدرته إذ قال :{ويكلم الناس في المهد وكهلا. } [آل عمران:46]. وقال تبارك وتعالى :{وجعلنا ابن مريم وأمه آية} [المؤمنون: 50]. لأنه لم يكن في ولد آدم خلق مثله، خلق من غير أب، ولم يقل: إن صاحبكم آية منه مع أنه يستبين من صاحبكم للناس خلاف ما استبان من عيسى ويحيى وهما نبيان، فتحتجون علينا بحجة الأنبياء، وتساوون أصحابكم بالأنبياء، ونرى أفاعيلهم خلاف أفاعيل الأنبياء، إذ أخذوا التقية من المخلوقين دينا، وهذا يحيى بن زكرياء لم يخف غير الله، ولم يدار في دينه، استبقاء على بدنه، حتى قتل صلى الله عليه، ومع أن يحيى لم يلبس اللين، ولم يأكل الطيب، وكان باكيا آثار الدموع بخديه، حتى مضى إلى الله، صلى الله عليه وسلم.
Página 405
وهذا عيسى بن مريم تكلم في المهد صبيا، لم يحبس كلامه تقية على نفسه، وكان يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله، فينفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله، وكان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وكان يحيي الموتى بإذن الله، وكان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، لم يتق أحدا من خلق الله ولم يراقبه، وكانوا يقولون: ساحر مجنون كذاب كاهن . فلم يسعه كتمان ما جعل الله فيه بما عاين من تكذيب الخلق له، مع أن فعل عيسى بان من فعل صاحبكم .
وليس كل الأنبياء ولوا حكم الأمة، وإنما كان بعضهم نبي نفسه، وبعضهم نبي أهله، وبعضهم نبي أهل بيته، وبعضهم نبي قرابته، وبعضهم نبي قومه .
وليس حكم الأنبياء كحكم غيرهم ممن دونهم، مع أنه قد مضت سنة بني إسرآئيل، وهذه سنة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فإن زعموا أن السنة لم تزل من لدن آدم إلى يومنا هذا، فقد كذبوا كتاب الله، لقول الله تبارك وتعالى :{لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} [المائدة: 48]. وقد حرم الله على بني إسرآئيل الصيد يوم السبت، وأحل لنا، وقد حرم الله عليهم الشحم وأحل لنا، لقول الله سبحانه :{ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم} [آل عمران: 50]. أفلا ترى أن عيسى حلل لأمته الذي حرم موسى على أمته.
Página 406
فإن زعموا واحتجوا بقول الله :{سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا} [الإسراء: 77]. ثم قال :{ولن تجد لسنة الله تبديلا} [الأحزاب: 62] أي: بالدعوة ؛ لأن دعوة الأنبياء واحدة ؛ لأن كلهم دعوا إلى طاعة الله ونهوا عن معصيته، غير أن في الشرائع لكل أمة شريعة، وأحل لأمة ما حرم على غيرها، محنة من الله وامتحانا، مع أن الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم الصفوة بعد الصفوة، لذلك ورث حسين الإمامة، لأنه كان خير أهل زمانه، مع ما كان فيه من الدلائل في نفسه، والآثار من نبيه، وإجماع الأمة على أنه خير أهل زمانه، وهو وأخوه (سيدا شباب أهل الجنة)، فهل يكون لأحد أن يتقدم على من هو خير منه ؟! فالإمامة لا تكون إلا لخير أهل الأرض، يستبين للناس فضله وزهده وعلمه، وإنما الإمامة نقلة وصفوة وخيرة، ولم تزل كذلك من لدن آدم، تنقل من صفوة إلى صفوة.
ولو أن النبوة والإمامة كانت وراثة لم تخرج (من اليمن إلى غيرها، إذ كان هود نبيا، كان يحيز الأمر في ولده، فلم يخرج) الأمر منه إلى غيره، لكن إنما هي صفوة بعد صفوة، كذلك يصطفي الله من كل قوم خيرهم، فاصطفى من اليمن هودا وصالحا وشعيبا.
فإن زعم زاعم أن هودا وصالحا وشعيبا من ولد إبراهيم. يقال لهم: ألا ترون أن الله قص علينا خبرهم، ثم قال في كتابه، عن قول صالح لقومه :{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله} [الأعراف: 74]. هذا من قبل إبراهيم .
Página 407
ثم اصطفى الله من الأعاجم إبراهيم خليله، فجرت النبوة والخلافة والإمامة في ولده، ثم جرت من ولده في ولد إسحاق، ثم اصطفى من ولد إسحاق يعقوب، ثم اصطفى من ولد يعقوب يوسف، ثم اصطفى من ولد إسحاق أيوب، وهو من غير ولد يعقوب، ثم جرت الصفوة في ولد يعقوب، حتى انتهت الصفوة إلى موسى بن عمران، ولم يكن موسى من يوسف، ثم جرت الصفوة في يوشع بن نون، وكان يوشع خير أهل زمانه، ثم جرت الصفوة في ولد هارون، وإنما تنتقل الصفوة من بطن إلى بطن من بني إسرآئيل حتى انتهت الصفوة إلى عيسى بن مريم.
ثم جرت الإمامة والزعامة فيمن تبع عيسى بن مريم، حتى انتهت كرامة نبوة لله إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى جميع النبيين، فانتقلت من ولد إسحاق إلى ولد إسماعيل، وجرى الأمر والصفوة في ولد إسماعيل، إذ صار الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وجرى الأمر في ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصفوة بعد الصفوة.
Página 408
[صفة الإمام]
وإنما الصفوة لا تكون إلا في أخير أهل زمانه، وأكثرهم اجتهادا، وأكثرهم تعبدا، وأطوعهم لله، وأعرفهم بحلال الله وحرامه، وأقومهم بحق الله، وأزهدهم في الدنيا، وأرغبهم في الآخرة، وأشوقهم للقاء الله .
فهذه صفة الإمام. فمن استبان منه هذه الخصال فقد وجبت طاعته على الخلائق.
فتفهموا وانظروا هل كان بيننا وبينكم اختلاف في علي بن أبي طالب ؟! ثم من بعده في الحسن بن علي ؟! أو هل اختلفنا من بعده في الحسين بن علي ؟ أو هل اختلفنا في محمد بن علي ؟ أو هل ظهر منهم رغبة في الدنيا، أو طلب أموال الناس ؟ أو هل بخلوا بما عندهم ؟ أو هل اتخذوا القصور والمراكب والخدم والأتباع ؟ أليس قد مضوا إلى الله على البصيرة ؟!
فلو أردنا أن نجحد الحق لجحدناهم من بعد الحسين بن علي، فصيرناه في أهل بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عامة، ولكن اتبعنا الحق حيث أمرنا الله باتباعهم، وأقررنا بالفضل لمن جعل الله فيه الفضل، فلم نر فيهم من طلب الأخماس من التجارة، ولا من صانع، ولا من زارع، ولا من حمال يحمل على رأسه، ولم يستأثر بما جعل الله لأهل بيت نبيهم على أهل بيت نبيئهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ففي دون هذا التفهم.
فإن زعمت الروافض أن ذا في صاحبنا بما وصفتم من الدلائل الإمامة والزهد والفضل.
يقال لهم: مالنا لا نرى ما تصفون ؟
فإن قالوا: إنه في دار تقية.
فيقال لهم: أفتظهر منكم معصية الله على التقية ؟ فإن قالوا : نعم.
Página 409
يقال لهم: فهل ظهر من أحد من الأنبياء أو الأئمة أو الدعاة إلى الله مثل علي والحسن والحسين، أو علي بن الحسين، أو محمد بن علي، أو غيرهم ممن دعا إلى الله، الذين لم نختلف فيهم إذ كانوا أئمة ؟ وجعل الله فيهم ذلك، أو هل طلبوا ما ليس لهم من أموال الناس غيرهم ؟ أو هل أظهروا المعصية بالتقية ؟ استبقاء على أنفسهم ومخافة على دمائهم ؟ أو ليس صبروا على أمر الله ؟ وقاموا بحق الله، حتى قتل بعضهم، ونشر بعضهم، وأحرق بعضهم، وأغلي بعضهم في القدور، ودفن بعضهم أحياء، وغرق بعضهم في البحار، وسمر بعضهم بالمسامير، وعذبوا بألوان العذاب ؟! فما كان يمنعهم أن يظهروا التقية فينجوا من أعداء الله، إذا كانت التقية من المخلوقين دينا على ما وصفتم ؟! وقد قال تبارك وتعالى :{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} [هود: 113]. وهل الركون إليه إلا الاتباع له على ما يريد، وتصديقه من وجهة ما يقول، وسكناه معه في داره على غير منابذة، وهو على غير الدعاء إلى الله وطلب الجهاد، وقد قال الله تبارك وتعالى يصبر المؤمنين على ما يصيبهم فيه سبحانه :{وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين} [آل عمران: 146]. وقال :{يحكم بها النبيئون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} [المائدة: 44]. ثم قال :{وإياي فاتقون، ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} [البقرة:41 - 42]. وقال تبارك وتعالى :{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم} [البقرة: 159 - 160]. فكيف يجوز لأحد من الأئمة يكتم الحق، ويظهر من نفسه خلاف ما يعلم ؟ أو ليس من رأى فعله من المستضعفين اقتدى به، لما يعاينون من ظاهر فعله، فهم مصيبون إذ غاب عن المستضعفين الناصر ؛ إذا اقتدى بالإمام.
فإن قلتم: نعم. فقد وجب لمن خالفكم الإيمان. وإن قلتم: إن الذي رأيتم من الإمام هو التقية، والذي أخبركم خلاف الحق، والحق ما تقولون، وإنما كتمتم الحق تقية منكم، أفليس تدعونا إلى أن نصدقكم على ما قلتم ونكذبه فيما قال لنا ؟ فأنتم إذن أولى بالصدق منه، وأنتم أئمة إذ تأمروننا أن نقتدي بما تقولون، ونترك ما قال .
فإن زعمتم أنه على الحق، وقد رأى الناس خلاف ما تقولون، ورووا منه خلاف ما تنسبون، وسمعوا منه خلاف ما تدعون، فاقتدوا به إذ زعمتم بأنه إمام افترضت طاعته ! أو ليس يجب على الناس أن يطيعوه فيما يأمرهم، ويمتنعوا عما ينهاهم، ثم تكلفون الناس أن يتبعوا قولكم، ويتركوا قوله، فأنتم إذا الذين افترض الله طاعتكم، وأنتم الصادقون ليس هو !
ثم زعمتم أنه إمام مفترض الطاعة، أفليس على مذهب قولكم هو إمام هدى وإمام ضلالة، إذ هداكم وأضل غيركم آخرين، حين أفتاكم بالحق، وأفتى غيركم بالباطل، وعلمكم حكم الله، وعلم غيركم خلاف حكم الله ؟
وكيف وقد قال تبارك وتعالى :{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44]. أفترى جميع الحكمين سواء، حكم ما أخبرك، وحكم ما أخبر غيرك ؟ هما جميعا من حكم الله، وهما حكمان متضآدان، إلا أن تقولوا: إنه حجة على بعض دون بعض، لناس مخصوصين ، وليس حجة على الآخرين.
Página 411
[الحجة الغائبة]
فإن زعمتم أنه حجة على الكل، فالواجب عليه أن يهديهم أجمعين، ويدلهم ويبصرهم، ويعرفهم بنفسه.
وكيف يكون حجة يحجب نفسه من الناس، ولا يبين لهم ؟! أرأيتم إذا وقفوا بين يدي الله بم يحتج عليهم ؟ أبما دعاهم فعصوه ؟ أم بما بين لهم فخالفوه ؟ أو بما حجبهم نفسه فجهلوه ؟ فكيف تثبت له عليهم حجة، ولم تبلغهم حججه، ولم يعرفوا اسمه، ولم يعرف بنفسه.
فإن زعمتم بأن له أن يكتم، لأن الله قال في محكم كتابه :{رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه} [فاطر: 28]. وهو قال لهم:{رجل} ولم يكن الرجل بحجة، لأن الحجج فيما مضى أنبياء وأوصياء الأنبياء، وهذا رجل مؤمن أثنى الله عليه، ولم يكن بنبي ولا حجة.
فإن زعموا أن صاحبنا يكتم كما كتم المؤمن.
يقال لهم: أو ليس زعمتم أن صاحبكم حجة، وهل للمؤمنين أن يبينواما بين الحجج، يسع المؤمن أن يكتم، ولا يسع الحجة أن يكتم ؟! مع أن مؤمن آل فرعون كتم الإيمان قبل أن يبين الله لخلقه، فلما بين الله لخلقه لم يسعه الكتمان بعد البيان، مع أنه كان في عبدة الأوثان، وفي دار من يدعي الربوبية من دون الله، ويجحد رب العالمين، وصاحبكم في دار الإقرار والمعرفة، وتصديق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن جهلوا الأحكام والشرائع، فليس لأحد أن يكتم العلم من طالبه بعد بيان الأنبياء، وليس الحجة حجة إلا من احتج على خلق الله، ولم يلبس دين الله.
فإن زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتم حين ظهر.
Página 412
يقال لهم : ومتى كتم رسول الله صلى الله عليه ؟ أوليس قال الله لنبيئه :{يا أيها المدثر قم فأنذر} [المدثر: 1 - 2]. وقال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وهو مستند إلى الكعبة، والناس يومئذ مشركون جهال، عبدة أوثان، فقال: {يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} [الأعراف: 158]. لم يتق أحدا من خلقه، فاحتمل الأذى، وصدع بأمر الله، وقام بحق الله، واحتج على خلق الله، وصبر على ما أصابه، حتى أبلغ صلى الله عليه وآله وسلم السامع والعاصي، والخاص والعام، والأبيض والأسود، فمرة يرمون ساقيه، وأخرى يرمونه، ويتشاورون في قتله، فثبتت حجته على الخلق.
فإن زعمتم أن الأئمة يقومون مقام الأنبياء، فالواجب عليهم أن يحتملوا الأذى كما احتمله الأنبياء.
Página 413
[صفة الإمام]
ولا يكون حجة إلا داعيا إلى الله مجتهدا، زاهدا فيما في أيديكم، عالما بحلال الله وحرامه، أقوم خلق الله، وأبصره بدينه، وأرأفه بالرعية، وأقومه لدين الله، أمين الله في أرضه، صادق اللسان، سخي النفس، راغبا فيما عند الله، زاهدا في الدنيا، مشتاقا إلى لقاء الله.
فإن زعموا: أن هذا في صاحبهم.
يقال لهم: أوليس إظهار التقية استبقاء على نفسه من الموت، ورغبة في دار الدنيا، على أن يترك فيها، ولا يفطن له فيقتل ؟ فليس هذا الزهد، ولا الرغبة، إذ أظهر من نفسه خلاف ما يعلم من الحق. فسبحان الله ما أبين تكذيب دعواكم! وأبطل قولكم! وعبث ما أنتم فيه ! إذ نرى فيكم ضعفاء فقراء محاويج، من شيخ ضعيف، أو أرملة ضعيفة، أو يتيم طفل، أو مديون مغموم، أو غريب محتاج إلى النكاح، أو فقير محتاج لا حيلة له، ولا مبيت عنده، وزعمتم أنه يعرف مكانكم، ويرى أفاعيلكم، ويعلم حالكم، أو ليس عليه أن يغير حالكم، ويفرج على مغمومكم، ويقضي عن مديونكم ؟! إذ زعمتم أنه قام مقام النبيئين.
Página 414
وقد قال الله تبارك وتعالى :{وكان بالمؤمنين رحيما} [الأحزاب: 43]. فكان صلى الله عليه وآله وسلم يعطي ضعفاء أمته حتى يستأثرهم على نفسه وعياله، وقد قال الله تبارك وتعالى في أهل بيته صلى الله عليه وعليهم وسلم :{ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} [الإنسان: 8] . فلم يبخلوا بطعامهم على الأسير، وهو كافر، واستأثروا على أنفسهم. فكيف كان ينبغي لصاحبكم أن يستأثر بالمال على المستضعفين الفقراء من أصحابه ؟ وقد قال الله سبحانه في أهل بيت نبيئه صلى الله عليه وعليهم :{ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر:9، التغابن: 16]. وقد قال في المؤمنين :{محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29]، فقد وصف المؤمنين بالرحمة بعضهم لبعض، فكيف يسع حجة الله، إذ كان حجة على ما وصفتم أن يستغل الألوف، ويأخذ خمس أموالكم، ويوكل في كل بلاد لقبض الأموال، ولا يفرج على أحد من خلق الله، ولا يقسمها في الفقراء والمساكين ؟! فلم ير منه صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ قال الله سبحانه :{وكان بالمؤمنين رحيما} [الأحزاب: 43]. {بالمؤمنين رؤوف رحيم} [التوبة: 128]. ولم ير منه صفة المؤمنين من أصحاب النبي عليه السلام إذ قال الله فيهم :{رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا} [الفتح: 29]. {وينصرون الله ورسوله} [الحشر: 2].
فلا يرى فيه أن يفرج على أحد من فقراء المؤمنين إن ظلم أو قتل، ولم ير فيه النصب حربا لأعداء الله، ولا يسير فيما يسخط الأعداء، ولم ير قط إلا طلب أخذ الأموال من غير أن يقسمها في المستضعفين! فكيف يسعنا أن نقول فيه : هو حجة، وليس يرى فيه صفة الحجج ؟!
Página 415
وأما قولكم : إنه يعلم ما نفعل، ويعلم ما بسرائرنا، ونحن نرى فيكم شراب الخمور، ونرى فيكم الزنا واللواط، وأخذ أموال الناس، وظلم العباد، والتقاطع والجفاء، والمسير بغير ما أمر الله والقتل! وزعمتم بأنه يعلم منكم هذه الخصال، إذ زعمتم أنه يرى أفاعيل العباد، وهو يتولاكم على هذه الخصال، التي فيكم، فإن كان يتولاكم على هذا فليس من الله في شيء، لقول الله تبارك وتعالى :{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} [هود: 113]. وقوله :{فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا} [النجم: 29]. وقوله :{لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حآد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} [المجادلة: 22]. وقال تبارك وتعالى :{يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} [التوبة: 73، التحريم: 9]. وقال لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم :{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} [الكهف: 28]. فقد أمره الله سبحانه أن لا يتولى أصحاب الدنيا، ويصبر على الذين يريدون الآخرة، فلم نر من صاحبكم إلا طلب الدنيا، مجتهدا للمكاثرة، وإن كان وصفقم من الأشياء ما ليس فيه !
Página 416
وزعمتم أنه يرى أفاعيل العباد وأعمالهم، وهو شاهد عليهم، وليس فيه الذي وصفتم بأنه يرى أفاعيل العباد! فإن كان يرى أفاعيلكم فليس له أن يتولاكم، ولا يأخذ منكم شيئا من عرض الدنيا، وإن كان لا يرى منكم ما وصفتم فيه فقد كفرتم وعبدتموه من دون الله، وهل هذه إلا صفة رب العالمين ؟! أيرى ما غاب عنه، ويسمع من غير أن يسمع، وأن يعلم ما في قلوبكم من غير أن يخبر ؟! فتعالى الله رب العالمين، عما يقولون علوا كبيرا، ما أعظم افترآءكم على الله إذ شاركتم في فعله أحدا من خلقه، وكيف يكون ذلك كما زعمتم ؟! وهو يقول :{عالم الغيب والشهادة} ثم قال :{فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} [الجن: 27]. يعني سبحانه: بالوحي. لقوله :{يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} [الجن: 27]. فقد أخبر بأن لا يعلم الغيب إلا الله ومن ارتضى من رسول، يوحي إليه بخبر ما يريد، فإذا مضى رسول الله انقطع الخبر والوحي، وحجب عن الخلق أمر الوحي، وعلم الحادثات سوى علم ما جاءت به الأنبياء، وبعلم الأنبياء يشهدون، فكيف يعلم أحد الغيب من غير وحي الله جل جلاله ؟ عن أن يحويه قول أو يناله.
فإن زعمتم أن في الأرض اليوم من يوحى إليه، فقد زعمتم أنه نبي، لأنه لا يكون الوحي إلا إلى النبي، وإنما سمي نبيئا لأنه نبأ عن الله، فمن أنبأ عن الله فهو نبي، فويلكم متى آمنتم بالله وقد كذبتم كتاب الله ؟! لقوله :{خاتم النبيئين} [الأحزاب:40]. فكيف يكون محمد خاتم النبيئين، وقد نصبتم الأنبياء من بعده ؟!
ويقال للروافض : أخبرونا عن أعراب البادية والمستضعفين، والذين لا يعلمون لصاحبكم اسما ولا نسبا هل لصاحبكم عليهم حجة ؟
فإن قالوا : نعم .
يقال لهم : هل بلغتهم منه الحجة، فيكون حجة عليهم ؟ .
ويقال للروافض : هل لصاحبكم أن يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويكون تابعا لرسول الله عليه السلام لا مخالفا له ؟
Página 417