يسب المسيح وأمه ووشوا به عند النجاشي وهذا ما يلقيه الشيطان على ألسنة المشركين قديمًا وحديثًا، إذا قال الموحدون إن آلهتكم باطلة وأنها لا تستحق شيئًا من العبادة اشمأزوا من ذلك وَزَعموا أن من سَلَبهم ذلك فقد هضم مراتبهم وتنقَّصهم، وهم قد هضموا جانب الإلهية غاية الهضم وتَنقَّصوه لهم نصيب من قوله سبحانه: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزمر:٤٥] ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا﴾ [غافر: ١٢] .
لقد أحسن القائل ﵀ وهو ابن القيم:
قالوا تنقّصتم رسول الله ... واعجبًا لهذا البغي والعدوان١
٢أنتم تنصتم إله العرش ... والقرآن والمبعوث بالقرآن٣
_________
"١" في نسخة النونية المطبوعة: "البهتان" بدلًا من "العدوان".
"٢" من الواضح أن المصنف ﵀ كان يختار أبياتًا معينة من القصيدة، حيث أن هناك تسعة أبيات قبل بداية هذا البيت وهي:
عزلوه أن يحتج قط بقوله ... في العلم بالله عظيم الشان
عزلوا كلام الله ثم رسوله ... عن ذاك عزلًا ليس ذا كتمان
جعلوا حقيقته وظاهره ... هو الكفر الصريح البين البطلان
قالوا وظاهره هو التشبيه و... التمثيل حاشا ظاهر القرآن
من قال في الرحمن مادلت ... عليه حقيقة الأخبار والفرقان
فهو المشبه والممثل والمجسم ... عابد الأوثان لا الرحمن
تالله قد مسخت عقولكم ... فليس وراء هذا قط من نقصان
ورميتم حزب رسول الله وجنده ... بمصابكم يافرقة البهتان
وجعلتم التنقيص عين وفاقه ... إذا لم يوافق ذاك رأي فلان
أنتم تنصتم إله العرش ... .. .. .. .. .. ..
قال صاحب توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة ابن القيم"٢/٣٤٩): "معنى كلامه في هذه الأبيات أن أهل التعطيل رموا أهل التوحيد لما جردوا التوحيد والمتابعة وأفردوا الله تعالى بجميع أنواع العبادة خوفًا ورجاءً وتوكلًا وخشية وقالوا: لا يجوز صرف العبادة ولا شيء منها لملك مقرب ولا نبي مرسل وقدموا أقوال الرسول على غيره فلأجل ذلك رموهم بتنقيص الرسول، والمعطلة مع ذلك قد تنقصوا الله تعالى ورسوله وكتابه، أما تنقصهم الله تعالى فإنهم سلبوه صفات كماله ونزهوه عن الكلام والفوقية وجعلوا ذلك تشبيهًا وتجسيمًا وأما تنقصهم الرسول فإنهم عزلوه أن يحتج بقوله في العلم، وأما تنقصهم القرآن فإنه عندهم لا يفيد اليقين إذ هو أدلة لفظية عارضتها العقلية بزعمهم وأن القرآن لا يُحكم عند الاختلاف، وإنما يرجع إلى العقول والمنطق، وأما أهل الإثبات فإنهم حكموا الرسول ﷺ وما جاء به في الدقِّ والجُّلِّ"أهـ.
"٣" هناك خمسة وثلاثون بيتًا لم يذكرها المصنف بين هذا البيت والذي يليه، يمكنك أن ترجع إليها في الأصل أو في شرح قصيدة ابن القيم المسماة: "توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة ابن القيم" "٢/٣٤٥-٣٤٩" "فصل: في بهت أهل الشرك والتعطيل في رميهم أهل التوحيد والإثيات بتنقيص رسول الله".
1 / 22