Señor del Tiempo: El Libro y el Expediente del Caso
رب الزمان: الكتاب وملف القضية
Géneros
دأب بعض مفكرينا في شئون الدين - عافاهم الله - على الحط من شأن عرب الجزيرة قبل الإسلام، وتصويرهم في صورة منكرة، وسار على دربهم أصحاب الفنون الحديثة في القصة والسيناريو والأعمال الفنية السينمائية، بحيث قدموا ذلك العربي عاريا من أية ثقافة أو حتى فهم أو حتى إنسانية، حتى باتت صورته في ذهن شبيبتنا، إن لم تكن في أذهان بعض المثقفين بل والكتاب أيضا، أقرب إلى الحيوانية منها إلى البشرية. وقد بدا لهؤلاء أن القدح في شأن عرب قبل الإسلام، وإبرازهم بتلك الصورة، هو فرش أرضية الصورة بالسواد، لإبراز نور الدعوة الإسلامية بعد ذلك، وكلما زادوا في تبشيع عرب الجاهلية، كلما كان الإسلام أكثر استضاءة وثقافة وعلما وخلقا وتطورا على كل المستويات. وأن الأمر بهذا الشكل يبعث أولا على الشعور بالفجاجة والسخف، ثم هو يجافي أبسط القواعد المنطقية للإيمان ، فالإيمان يستمد قيمته من دعوته، ومن نصه القدسي، وسيرة نبيه، فقيمته في ذاته قيمة داخلية، وليست من مقارنته بآخر، أما الأنكى في الأمر، فهو أن تتم مقارنة الإلهي بالإنساني، لإبراز قيمة الإلهي إزاء نقص الإنساني، في تلك الحال ستكون ظالمة لكليهما: الإلهي والإنساني، فالإلهي لا يقارن بغيره، كما أن مقارنة الإنساني به فداحة في التجني على الإنساني بما لا يقارن مع الإلهي.
وقد فطن «الدكتور طه حسين» إلى ذلك الأمر وعمد إلى إيضاحه في كتابه «الأدب الجاهلي» مبينا مدى تهافت الفكرة الشائعة حول جاهلية العرب قبل الإسلام، وكيف أن تلك الفكرة أرادت تصوير العرب كالحيوانات المتوحشة؛ لإبراز دور الإسلام في نقله الإعجازي لهؤلاء القوم المتوحشين، فجأة ودون مقدمات موضوعية، إلى مشارف الحضارة، فجمعهم في أمة واحدة، فتحوا الدنيا وكونوا إمبراطورية كبرى. هذا بينما القراءة النزيهة لتاريخ عرب الجزيرة في المرحلة قبل الإسلامية تشير بوضوح، إلى أن العرب لم يكونوا كذلك، وفي تطورها الإنساني، أما الركون إلى عقائدهم لتسفيههم، فهو الأمر الأشد فجاجة في الرؤية، فيكفينا أن نلقي نظرة حولنا على الإنسان وهو في مشارف قرنه الحادي والعشرين، لنجده لم يزل بعد يعتقد في أمور هي من أشد الأمور سخفا ومدعاة للضحك.
معارف العصر
والمطالع لأخبار ذلك العصر المنعوت بالجاهلي في كتب الأخبار الإسلامية ذاتها، سيجد في الأخلاق مستوى رفيعا هو النبالة ذاتها، وسيجد المستوى المعرفي يتساوق تماما مع المستوى المعرفي للأمم من حولهم، وأن معارفهم كانت تجمع إلى معارف تلك الأمم معارفهم الخاصة، فقط كان تشتتهم القبلي وعدم توحدهم في دولة مركزية، عائقا حقيقيا دون الوصول إلى المستوى الحضاري لما جاورهم من حضارات مركزية مستقرة. وهو الأمر الذي أخذ في التطور المتسارع في العصر الجاهلي الأخير نحو التوحد في أحلاف كبرى، تهيئة للأمر العظيم الآتي في توحد مركزي ودولة كبرى.
فعلى مستوى المعارف الكونية، كان لدى العرب تصورات واضحة، تضاهي التصورات في الحضارات حولهم؛ فالأرض كرة مدحاة، والسماء سقف محفوظ تزينه مصابيح هي تلك النجوم، وفيه كواكب سيارة، أطلقوا عليها «الخنس والجواري الكنس»، فهذا «زيد بن عمرو بن نفيل» يحدثنا عن التصور الكوني المعروف في بلاد الحضارات، في قوله:
دحاها فلما رآها استوت
على الماء أرسى عليها الجبالا
بينما نجد «أمية بن عبد الله الثقفي»، يصور لنا ما درج عليه العالم القديم من تصور السماء سقفا بلا عمد، وأنها طبقات سبع، وأن الشهب فيها حماية ورصدا ومنعا للجن من استراق السمع على الملأ الأعلى، وذلك في قوله:
بناها وابتنى سبعا شدادا
بلا عمد يرين ولا حبال
Página desconocida