Señor del Tiempo: El Libro y el Expediente del Caso
رب الزمان: الكتاب وملف القضية
Géneros
ومن ثم كان لا بد من موقف حاسم إزاء ما يحدث، موقف يضع الشروط التي تضمن احترام النص، وتمنع استثماره حسب الهوى والغرض، وربما لخدمة أشد الأمور بعدا عن الحق والإنصاف. ومن بين هؤلاء الذين أخذوا هذه المهمة على عاتقهم، المفكر المتميز «نصر حامد أبو زيد»، الذي حدد أساسا لمشروعه العلمي، يتمثل في أن الدين يجب أن يكون عنصرا أساسيا في أي مشروع نهضوي، لكنه توطئة لذلك أعطى من عمره الكثير لإيضاح أن الدين ليس هو الخطاب الديني، والذي يمارس دوره بشكل أيديولوجي نفعي، إنما الدين هو النص الديني الموحى به بعد تحليله وفهمه فهما علميا صحيحا يمنع عنه أي لبس، ويقف عقبة إزاء محاولات استثماره، وهو ما سينفي فقط ما فيه من قوة دافعة نحو التقدم والعدل والحرية.
وقد انتهى الدكتور نصر أبو زيد في بحوثه إلى عدم وجود خلافات جوهرية بين خطاب المعتدلين وخطاب المتطرفين، فكلا الجانبين النشيطين يعتمد على ذات الآليات التي توحد فكرهم بالدين لاكتساب قداسته، وتفسير كافة الظواهر بإرجاعها إلى مبدأ أول هو الحاكمية الإلهية، بوصفها نقيضا لحاكمية البشر، إضافة إلى سلطة السلف، وتحويل نصوص المجتهدين إلى نصوص شبه مقدسة أو مقدسة، بحسم قطعي يهدر البعد التاريخي للدين تماما، كما يعتمد الخطابان على ذات المنطلقات الفكرية بمبدأ تحكيم النص، الذي عادة ما يصبح تحكيما لتفسير وفهم فئة بعينها للنص على حساب العقل، وهو الأمر الذي ينتهي بالخطاب الديني إلى موقف نقيض من الإسلام؛ لأنه نقيض للعقل رفيق الإسلام وأساسه المتين، ثم يقوم ذلك الخطاب بتحريم ما عدا ذلك عن طريق التغطية الأيديولوجية لتوجهاته الرجعية الخادمة للنظم السياسية الدكتاتورية، عن طريق مبدأ «لا اجتهاد مع النص».
وهي خدعة أيديولوجية؛ لأن معنى النص هو «النص الواضح القاطع الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا»، والنص بذلك نادر في الوحي، وتظل سائر الآيات قابلة للاجتهاد والتأويل.
وبهذه التفرقة بين الخطاب الديني وبين الدين، ينزع عمل الدكتور نصر عن الفكر الديني وخطابه القداسة، ليصبح اجتهادات بشرية لفهم نصوص الدين، بحيث يظل الوحي الإلهي مصانا باحترام حقيقي، وهو ما لا يسمح باللعب بالآيات وتفسيرها حسب الهوى والمنافع، وإكساب ذلك التفسير قدسية الدين ذاته.
ومن هنا فإن الدكتور نصر حامد أبو زيد، وغيره من أصحاب ذات الاتجاه والغرض، وإن اختلفت الأدوات بين هؤلاء الكوكبة من الباحثين المبشرين بفجر جديد، فد تعرضوا لهجمة شرسة من أصحاب الخطاب الديني، ارتكنت جميعا إلى التكفير، لحصار أعمالهم وتنفير المواطن منها، وتشكيل رأي مسبق لديه يمنعه من متابعتها أو قراءتها، ولكن المأساة الحقيقة أن يتحول الأمر إلى إرهاب حقيقي، فمن الدعوة الصريحة إلى إخراس تلك الأصوات، «وهو ما تعرض له كاتب هذه السطور على صفحات الأهرام والنور وغيرهما»
2
إلى الانتقال للفعل داخل قلعة العلم المفترضة «جامعة القاهرة»، حيث تم رفض الأعمال التي قدمها الدكتور أبو زيد، والتي تصل إلى ثلاثة عشر عملا، ولم تشفع له لنيل درجة الأستاذية، أما الأكثر نكاية وإثارة للفزع حقا، هو أن يكون التبرير المدون لذلك الرفض، هو اتهام الرجل بالكفر، بعد تزوير كلامه وتحريفه عن موضعه وسياقه، على نمط «لا تقربوا الصلاة»، إضافة إلى التلفيق في التأويل المتعسف، دون الرأي العلمي المفترض وحده، وهو ما فعله تقرير الشيخ عبد الصبور شاهين، رجل بيوت لهف الأموال المشهور، وبالطبع لم يكن غريبا أن يكون كاتب تقرير بهذا السمت والشكل رجلا من المستفيدين المتاجرين بخطابهم الديني، وهو ما علمناه عنه يقينا في علاقته بأكثر من فضيحة لم يدارها ولم يند لها جبينه، فهو أمر مفترض لدى أصحاب الخطاب الديني النفعي، ومن الطبيعي تماما أن يصاب مثل كاتب التقرير بهذا الهياج الشديد، لكن غير المقبول وغير المفترض وغير المتوقع إطلاقا، أن يكون رجل واحد هذا رأيه، يتمكن بالإرهاب من فرض رأيه واستبعاد رأي جميع أساتذة كلية الآداب وبخاصة قسم اللغة العربية فيما قدموه من تقارير، وهنا الكارثة حقا.
ويبقى التساؤل: هل أصبحت قبة الجامعة قبة شيخ من ذوي الكرامات ثوى في قبر مبروك؟! أم قبة كنيسة؟! أم قبة أحد المساجد؟! أم قبة معهد علمي عريق تعرض في غفلة أو تغافل مقصود لتسرب الإرهاب إلى حرمه ليعتدي على أقدس حرماته، وهي حرية البحث العلمي، وأمانة القرار العلمي؟ الفضيحة عالمية يا سادة يا كرام، ولم تعد مسألة ترقية «أبو زيد» أو حتى فصله (أنا شخصيا أحبذ القرار الأخير؛ لأنه سيعطي الرجل تفرغا ليأتي ويجلس بجانبي يؤنس ترهبي، كما سيعني ضراوة أكثر من معركة يجب أن تحسم اليوم وليس غدا حسما نهائيا، إما حياة الأمة وتقدمها، أو ننفض أيدينا منها ونترحم على ذكراها)، فالقضية أكبر الآن من ترقية أستاذ، إنها منطق الإرهاب والتكفير واضطهاد الفكر الآخر، وإذا كان هذا قد حدث مع نصر وهو مسلم، فكيف به لو كان مسيحيا؟ فيا أيها المسيحيون المصريون طوبى لكم حقا وصدقا، والحق أقول لكم: إن مصر تتأسس اليوم، وفي هذا الجيل، لقد افتتحت قضية نصر الملحمة، والله المستعان.
ذبح المفكرين على الطريقة الإسلامية1
«مفكر من أهم مفكري التنوير في التاريخ المصري، وعلامة فارقة في تاريخ الثقافة العربية جميعا.» هذا بالضبط ما قلته في إحدى ندواتي بعد أن قرأت للرجل بحثا واحدا، كان منشورا أيامها في دورية عربية، وبعدها تابعت البحث عن أعمال الرجل، وعن الرجل نفسه، لأكتشف أنه كان بدوره يبحث عني، عندما أرسل لي - بمدينة الواسطى حيث كنت أقيم - أحد مريديه، ليطلب اللقاء.
Página desconocida