مضى العام وعرف كل سبيله.
لا تهجر دارك، فهي أجمل دار في القاهرة، فضلا عن أن المؤمنين لا يعرفون دارا سواها، ومأوى آمنا غيرها.
وقد آن الأوان لكي تلقى حامي الحمى مولانا «عارف الباقلاني»، فاذهب إلى داره، وهي الثالثة إلى يمين الداخل في عطفة إرم جور، واذكر له كلمة السر، وهي : إذا تغيبت بدا وإن بدا غيبني.
بذلك تؤدي واجبك، وتقبل عليك الدنيا، وتنال ما يحب لك المؤمنون وفوق ما تحب لنفسك.
قرأت الرسالة مرات، حتى حالت القراءة آلية لا معنى لها، أما قريني القديم فلا علم لي بما آل إليه مصيره ... لكن المؤكد أن الدار لم تعد أجمل دار في القاهرة، ولا المأوى الآمن للمؤمنين، ولم يعد لحامي الحمى «عارف الباقلاني» وجود، فعلام كانت الرؤيا وعلام كان التعب؟! ولكن هل يمكن أن تقع معجزة بهذه القوة لغير ما سبب؟! أليس من الجائز أنها تطالبني بالذهاب إلى الدار الثالثة بعطفة إرم جور لتجود علي بما لم يقع لي في تقدير؟! وهل أملك أن أصرف نفسي عن الذهاب إلى هناك مجذوبا بحب استطلاع نهم، ورغبة تأبى أن تؤول معجزتي الفريدة إلى عبث عقيم، ذهبت مستظلا بجناح الليل متأخرا عن ميعادي عدة مئات من السنين. وجدت الحارة خاشعة تحت ظلمة يلوح في عمقها بصيص نور يشع من مصباح، ولم أر من البشر إلا آحادا عبروا بسرعة نحو الطريق ... جاوزت البيت الأول إلى الثاني وعند الثالث توقفت عن المشي ... وملت نحوه كمن يسير في حلم، حتى تبين لي أنه ذو فناء صغير يقع وراء سور قصير، وأنه لا يخلو من أشباح البشر، وقبل أن أتراجع فتح الباب وخرج رجلان طويلان في ملابس عصرية، حصراني بينهما في حركة التفاف رشيقة ثم جاءني صوت أحدهما، قائلا: ادخل لمقابلة من جئت لمقابلته.
فقلت مأخوذا: ما جئت لمقابلة أحد، ولكني أود أن أعرف اسم من يقيم في البيت. - حقا! لماذا؟!
فقلت وأنا أزيح عن صدري انقباضه: أود أن أعرف إن كان المقيم هنا من آل الباقلاني.
فقال الرجل متهكما: دعك من الباقلاني، وواصل رحلتك إلى نهايتها.
أفضى إلي قلبي بأنهما من رجال الأمن ... فخامرني قلق وحيرة، وقلت: لا توجد رحلة ولا مقابلة. - سوف تغير رأيك.
وقبض كل منهما على ذراع، وساقاني رغم مقاومتي إلى الداخل. انتزعت من الحلم ودفعت إلى كابوس، وأدخلت إلى حجرة استقبال مضاءة يقف في وسطها شخص في جلباب أبيض والقيد الحديدي في يديه، ورأيت في أنحاء الحجرة رجالا من نوع الرجلين اللذين ساقاني على رغمي، وقال أحد الرجلين: كان قادما للاجتماع بصاحبه.
Página desconocida