قد ذكرنا من منافعه هذه الجملة فينبغي أن نذكر جملةً من مضاره لئلاَّ يحملَ الجاهلُ على الانهماك به. ومن مضارِّه العِظام الإضرار بالدماغ والعصَب إذا أدمَنَ [شاربه]، ولا سيَّما إذا كان الشارب ضعيف العصب أو متهيئًا للأمراض الكائنة من ضعف العصب والدماغ، فإن إدمان الشرب يوقعه في الفالج والرعشة سريعًا، وقد يوقع بعضهم في الهذيان والوسواس، ويجلب أيضًا إحماء الكبد وورمها والحمَّيات الحارة والصداع والرمد والأورام والجرب والخوانيق والشوصه ونحو ذلك من الأمراض التي تحدث من حدَّة الدم أو من كثرته. وذلك أن الشراب في الجملة يزيد في الدم وفي سخونته وحدته لا سيَّما إذا كان المزاج متهئيًا لذل.
وقال: يحتاج إلى شرب الشراب ضرورة من إذاا لم يشربه أبطأ هضمه وتجشأ جُشاءً حامضًا وقلت شهوتُهُ للغذاء. وإذا شرب الماء ثقل عليه، وثقل الطعام في جوفه وكثر النفخ والقراقر في بطنه، فإذا أمسك هؤلاء عن الشراب وقعوا في الأمراض الباردة. ويحتاج إلى تركه ضرورة من إذا شرب وحمي جسده أصابه صداعٌ أو عطش شديد وتجشأ جُشاء دخانيًا وخمر عليها خُمارارً شديدًا وأصابه الغشي وسقوط الشهوة وفساد الطعام في معدته، فأما شربُه للسُّكر فلا خير فيه فإنه لم يعقب قط إلا مضَّرة أو علة عظيمة كالسكتة والاختناق وفساد الكبد والرعشة والفالج ونحو ذلك، فأما السَّكرة، تقع في الأيام الكثيرة ولا تكون مع ذلك مفرطة جدًا، فإنها تنفع في الأكثر لأنها تفتح مجاري الدم وتذيب خلطًا منعقدًا أو جامدًا وتنشر الحرارة الغريزية وتدفع الفضول غاية الدفع فيكون ذلك سببًا لدفع الأمراض الباردة ولانفتاح المجاري والمسام وذلك ينفع في حفظ الصحة. وأحوج الأسنان إلى استعمال الشراب المشائخ، وذلك أن أبدانهم تبرد وتجف والشراب يسخنها ويرطِّبها، ونومهم قليل فالشراب يُعينهم ويذهب عنهم الحكة التي تعتري المشايخ في أجسادهم لترصيقة لجلودهم وتوسيعه مسامهم وتجويد هضمهم. ويمنع سرعة الهرم ويدفع عنهم النزلة والزكام والسُّعال الذي لا يزال يعتريهم ويبسط من أنفسهم. وهم بالجملة أحوج الأسنان إليه وأكثرهم عليه سلامة من الكهول والشيوخ ولا سيمَّا من كان منهم حارَّ المزاج ملتهبًا فإنه يُحمي كبده ويكثر صُداعه ويسقط شهوته، فالماء لهم أوفق من الشراب، فأما الصبيان فغير محتاجين إلى الشراب.
1 / 60