سلام الذي فوق السموات عَرشُه ... تُخَصُّ به يا خير ماشٍ على الأرض
ولما كان في غدٍ عرض عليه الصَّبوح فقال:
رأيتُ المدامة غلاَّبة ... تُهيج للقلب أشواقه
تُسيء من المرءِ تأديبه ... ولكن تحسنُ أخلاقه
وقد مُتُّ أمسِ بها موتةً ... وهل يشتهي الموت من ذاقه
وشرب مع أبي محمد الحسن بن عبيد الله وأتى ببخور فقال:
أنشر الكباءِ ووجه الأمير ... وحسن الغناءِ وصافي الخمور
فداوِ خُماري بشربي لها ... فإني سكرتُ بشرب السرور
وشرب عند سيف الدولة كأسًا فوصفها، فقال أبو الطيب:
ألا أَذّنْ فما أَذكرت ناسي ... ولا لينت قلبًا وهو قاسي
ولا شُغل الأميرُ عن المعالي ولا عن حق خالقه بكاس قال ابن نوبخن: توفي أبو نواس في منزله فشيعته [وكان] يوم مات يترنم بشيءٍ سألته عنه فأنشدني:
باح لساني بمضمر السرِّ ... وذاك أني أقول بالدهر
وليس بعد الممات منقلبٌ ... وإنما الموت بيضة العُقر
والتفت إلى من حوله فقال: لا تشربوا الخمر صِرفًا فإنها أحرقت كبدي ثم طَفَى.
والأُقيشر من شعراءِ بني أسد وحلفائهم وفتيانهم، مدمن للشراب، وكان له حمارٌ يكنيه أبا المضاءِ، يركبه كل يوم إلى الحيرة ومعه درهمان هما قوته لطعامه وشرابه.
ومدح قيس بن محمد الأشعث فأعطاه ثلاثمائة درهم، فقال: لا أُريدها جملة، لكن تأمر وكيلك يعطيني كلَّ يوم درهمين، ففعل ذلك، فكانت إذا نفدت أمر له بمثلها.
وكان أبو دلامة ظريفًا ماجنًا حلو الشعر مدمنًا للشراب.
دخل على إسحق بن الأزرق وهو عليل وعنده الأطباءُ يصفون له ضروبًا من الأدوية، فقال بديهةً:
نحِّ عنك اطبيب، واسمع لنعتي ... إنني ناصح من النُّصَّاح
لا تعرج على دواءٍ ولكن ... غادِ هذا الكباب كل صباحِ
وإذا ما عطشت فاشرب ثلاثًا ... من عتيق في الشم كالتفاح
ثم عند المساءِ فاعكف على ذا ... وعلى ذا بأعظم الأقداح
فتقويالضعيف منك وتُلفى ... عن قريب أصحَّ كل الصحاح
وهذا أبو الشِّيص، نقيُّ الكلام متخير الألفاظ، مدَّاحٌ للخلفاءِ، لاحق بالفحول، يقول الشعر وهو مدمن على الشراب، قال فيها:
وكُميتٍ أرقَّها وضحُ الشمس وصيفٌ يغلي بها وشتاءُ
طبختها الشِّعري العبور وحثَّتْ ... نارها بالظهائر الجوزاءُ
كدم الشادن الذَّبيح إذا ما ... صبَّها في الزجاجة الوُصفاءُ
قد سقتني والليل قد فتق الصبحَ بكأسين ظبيةٌ حوراءُ
عن بنانٍ كأنها قضب الفضة حنّى أطرافها الحِنَّاءُ
وهو الذي يقول:
وصهباء لم تفترعها السقاةُ ... ولا استامَها الشربُ في بيت حانِ
ولا احتبلتْ درَّها أرجلٌ ... ولا وسمتها بنارٍ يدان
ولكن غذتها بألبانها ... ضروع يحفّ بها جدولان
إلى أن ترحل عنها [الصبا] ... وأهدى الفُطام لها المرضعان
فيا حسنها عند شكِّ البِزال ... يمج سلافتها في الأواني
يطوف علينا بها أحورٌ ... يداه من الخمر مخضوبتان
وهذا أشجع السُّلمي يقول لصديق له وقد هاجره:
ولو كنت العُقارَ فإن روحي ... تعيش إذا تمازجها العُقار
لما انصرفت إليك الدهر نفسي ... ولو كانت على الأحشاء نار
وكان الرقاشي من المدمنين وهو الذي يقول:
وهبتُ للذتي نشبي ... ومني العِرضَ لم أهبِ
إذا ما الماءُ أمكنني ... وصفوُ سلافةِ العِنَبِ
صببت الفضة البيضا ... ءَ فوق قُراضة الذهبِ
فأسبكُ منهما طربًا ... فزُرني تُلفِ ذا طربِ
وهو الذي يقول:
وسقِّ إخوانك النبيذ على حسن سماعٍ يزيد في الطرب
لا تَحْسُنُ الراحُ عند شاربها ... إلا بحسنِ الحديث والأدب
ودعا عبد الصمد بن المعذل صديقٌ وكان يشربُ من نبيذ طيِّب بين يديه ويسقي عبد الصمد من نبيذ حامض، فقال:
1 / 53