ودارت علينا الراح من كف ظبيةٍ ... مبتلةٍ حوراء كالرشإ الطفل
وحنَّ لنا عودٌ فباح بسرنا ... كأن عليه ساق جاريةٍ عُطلِ
تُضاحِكه طورًا وتُبكيه تارةً ... خدلجةً هيفاء ذات شوى عَبْل
إذا ما اشتهينا الأُقحوان تبسمت ... لنا عن ثنايا لاقصار، ولا ثُعلِ
وأسعدَها المزمار يشدو كأنه ... حكى نائحات بتنَ يبكين من ثُكل
غدونا على اللذات نجني ثمارها ... ورُحنا حميدي العيش متفقي الشكلِ
أقامت لنا الصهباء صدرَ قناتها ... ومالت علينا بالخديعة والختل
إذا ما علت منا ذؤابة ماجِدٍ ... وإن كان ذا حُلم دعته إلى الجهل
سأنقادُ للذات مُتبع الهوى ... لأمضي همًا، أو أصيب فتىً مثلي
وعن المدائني قال: كان الأحوص بن جعفر بن حديث، من كبار المدمنين على الشراب، وكان يجالس حمزة بن بيض وعُيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري، وكان يُحمق فغمزوا به جماعة جاءَ كل واحد منهم على إنفراد فقال: أرى وجهك مصفرًا، فما تجد، فلما فعلوا ذلك قال لأهله: ويحكم أنا عليل ولم تخبروني ولزم الفراش حتى عاده الناس، فشقَّ على أهله ذلك وبعثوا إلى شراعة وقالوا: إن لم يتكلم شراعة فهو لما به فصار إليه شراعة، وكلمه فلم يجبه ولم ير عليه أثر علةٍ، فأقبل شراعة على صاحب له فقال: كنا أمس بالحيرة فأخذنا الخمر، ثلاثين قنينة بدرهم، والخمر يومئذ ثلاثون قنينة بدرهم فرفع الأحوص رأسه وقال: الكاذب ايري في حِرِ أُمِهِ واستوى جالسًا فقال له شراعة: إجلس لا جلست وهات طعامك وشرابك وأخذا في شأنهما.
وكان السيّد بن محمد الحميري مطبوعًا في الشعر، جده يزيد بن مُفرغ الحميري.
قال المدائني: وُلي الأهواز رجل من بني أسد وكان صديقًا للسيّد فتشدد في الشراب ومنع منه وجلد عليه، فأضر ذلك بالسيّد حتى نحف وهزل فدخل عليه يومًا فقال: ما لي أراك عليلًا، قال: كنت أصيب من الشراب فيقوى به بدني ونفسي، فلما حرَّمته تركته، فقال الأسدي: حقٌ لمن يمدح آل بيت محمد ﷺ أن يُحتمل له الشراب، وكتب إلى عامله: أَحمل إلى أبي هاشم مائتي زورق شرابًا.
وأنشد إسحق الموصلي:
مثل لون الفصوص ينفي قذاها ... قد تعللتها بماء سحاب
زعم الشاربون أن قذاها ... ليس بالعود ساقطًا في الشراب
بل قذاها نديم سوء عليها ... مُولعٌ بالمِراءِ أو بالشبابِ
وهذا مأخوذ من قول الأخطل حيث يقول:
ألا فأسقياني وأنفيا عنكما القذى ... فليس قذاها العود يسقط في الخمر
وليس قذاها زائرٌ لا يضيرها ... ولا بذباب فزعه أيسرُ الأمر
ولكن قذاها زائر لا نريده ... أتتنا به الأقدار من حيث لا ندري
ومنهم الكَسكَري، وهو الذي يقول:
قد تولى النهارُ واستقبل الليلُ خليليَّ فاشربا وأسقياني
شربةً تترك الفقير غنيًا ... حسن الظنِّ واثقًا بالزمانِ
وهذا مالك بن أسماء بن خارجة من بيت بني فزارة، جاهليتها وإسلامها، لا يُدفع عن الخطابة والبلاغة والسخاء والظرف، قال لابن عم له يقال له موسى، وقد تجهز الناس للحج: هل لك في الحج قال: نعم، فتجهزوا وخرجا حتى إذا حاذيا زُرارة وهي أكثر الأرض كرومًا وثمارًا وأطيبها خمرًا، فقال لابن عمه: هل لك أن تعدل إلى زرارة فنقيم بها ونتنعَّم إلى أن ينصرف الناس، قال: ذلك إليك فعطفا إليها وأقاما بها معكفين على الشراب إلى أن انصرف الناس فانصرفا معهم فقال مالك:
ألم ترنا ومالك قد حججنا ... وكان الحجُّ من خير التجارة
خرجنا طالبي سفرٍ بعيدٍ ... فحال بنا الطريق إلى زرارة
فآب الناس قد بَروا وحجوا ... وأُبنا موقرين من الخسارة
وأبو دلامة، مع ظرفه ومجونه وحلاوة شعره، من المشتهرين بالشراب وقد ذكرنا خبره مع أبي العباس السفاح أمير المؤنين.
1 / 28