فاشتهر ذلك بسُر من رأى وبلغ عذال الحسن فيها ونُصحاءه فقالوا له، قد نصحناك فلم تقبل، فلا يُبعد الله إلا رأيك، فيقال إنه مات على إثر ذلك، حسرة وكمدًا، وبلغها أمرُهُ فلبست حدادًا وندبته وكانت كما قيل:
لا أعرفنك بعد اليوم تندبني ... وفي حياتي ما زوَّدتني زادا
وحجبها ابن حمَّاد مرَّة ومنعها منه، وبلغ الحسن أنه دعا جماعةً من إخوانه، في يوم جمعة وعزم على إخراجها إليهم، فكتب الحسن إليها:
يومنا يوم جمعةٍ بأبي أنتِ وعند الوضيع لا شكَّ قومُ
فامنعيهم منك البشاشة حتى ... يتغشاهم من البرد نومُ
وليكن منكِ، طول يومِكِ، لله، صلاةٌ إلى المساء وصومُ
وارفعي عنهم الغِناء، وإن نابكِ عذلٌ من الوضيع ولومُ
واذكري مغرمًا، بحبِّك أضحى ... همُّه أن يَسُره منك يومُ
فوقعت الرقعة في يد ابن حمَّاد، فعلم أن جاريته، ستفعل ما أمر به الحسنُ، ومتى فعلت فسد مجلِسُهُ فكتب إليه يسترضيه، وسأله أن يصير إليه. ففعل الحسن ذلك وصَلُح ما بينهما وفيه يقول:
ما لمولاكِ عاجلته المنايا ... وعلا فوقَهُ صفيح وتُربُ
قد حمانيكِ قاصدًا لي بما أكرهُ عمدًا وأنت للناس نهبُ
وكان الحسن لا يصحو من الشراب، فقال له سليمان أخوه: أراك اليوم فارغًا. قال: نعم، ولذلك لا أعده من عمري، وأنشده بديهةً:
إذا كان يومي غير مُدامةٍ ... ولا يوم فتيانٍ فما هو من عمري
وإن كان معمورًا بعودٍ وقهوةٍ ... فذلك مسروق لعمري من الدهر
وكان يومًا يشرب عند محمد بن عبد الله بن طاهر فعرضت سحابةٌ فبرقت ورعدت ومطرت فقال له: يا أبا علي، قل في هذا شيئًا، فقال:
هطلتنا السماءُ هطلًا دراكا ... عارض المِرْزمانِ فيه السِّماكا
قلت للبرقِ إذ توقَّد [ليلًا] ... يا زناد السماء من أدراكا
أتشبهت بالأمير أبي العباس في جوده، فلست هناكا
وحضرت [بنان] جارية محمد بن حمَّاد عند الحسن في يوم باردٍ وبين يديه كانون فيه فحمٌ فأمرت أن يُزال من المجلس، فقال الحسن:
بأبي، كرهت النار حتى أُبعدت ... فعلمت ما معناك في إبعادها
هي ضرة لك في التماع ضيائها ... وبحسن صورتها لدى إيقادها
وأرى صنيعكِ في القُلوب صنيعها ... بأراكِها وسيالها وقتادها
شركتك في كل الأمور بحسنها ... وضيائها وصلاحها وفسادها
وكتب إلى صديق له يدعوه:
بحسن هذا الضباب ... وحرمةِ الأصحاب
وطيب يوم التَّلاقي ... بطاعةِ الأحباب
إلاَّ أَطعت مُرادي ... فكنت، أنت، جوابي
وقال الحسن يومًا: شربت البارحة على وجه الجوزاءِ، فلما انتبه الفجر، نمت فما عقلت حتى ألحفني رداء الشمس.
وكتب الحسن بن وهب، إلى الحسن بن رجاءٍ في يوم شكٍّ وقد أفطر الخليفة الواثق:
هزَزْتُك للصَّبُوح وقد نهانا ... أميرُ المؤمنين عن الصِّيامِ
وعندي من قِيان القصر عشرٌ ... يطيب بهنَّ إدمان المُدام
فكن أنتَ الجواب فليس شيءٌ ... أسرّ إليَّ من حذفِ الكلامِ
فلما قرأ الأبيات، ركب إليه فكان جوابه.
1 / 16