115
تركتُ الخمور لأربابها ... وأقبلت أرشب ماءً قَراحا ود كنت حينًا بها معجبًا ... كحبِّ الغلام الفتاة الرَّداحا وما كان تركي لها أنني ... يخاف نديمي علي افتضاحا ولكنَّ قولي له مرحبًا ... وأهلًا مع السهل وانعم صباحًا وكان رجل من الأزد يكنى أبا شملة قد تتابع في الخمر وغلبت عليه، فأُتي به رسول الله (ص) وهو سكران فخلّى سبيله، ثم أُتي به وهو سكران، فأخذ رسول الله (ص) قبضة من تراب فضربه بها، وقال: اضربوا الخبيث فضربه الناس بأيديهم وبالنعال وأطراف النخل، فلما وُلِّي أبو بكر، أُتي بسكران فسأل: كم ضرب رسول الله (ص) أبا شملة، قالوا: ما ندري، قال: كم كنتم؟ قالوا: عشرين رجلًا، قال: فكم ضربه كل واحد منكم؟ قالوا: الضربة والضربتين، فضربه أربعين، فلما ولي عمر كتب إليه أبو عبيدة بن الجراح من الشام، إن الناس قد تتابعوا في شرب الخمرة، وقد ضربت فيها الأربعين فلم تغن شيئًا، فجمع عمر رجالًا من أصحاب رسول الله (ص) فشاورهم، فقال عليّ: إني لا أرى أحدًا أشبه بحدِّ الفِرية منه لأن الرجل إذا سكر هذىوإذا هدى افترى، فقال عمر للرسول: قد سمعت ما قال، فمر رأبا عبيدة أن يضربها فإنا ضاربوها، فضرب أبو عبيدة ثمانين، وضربها عمر بالمدينة. وقال الضحاك بن مزاحم لبعض أصحابه: مالك ولشرب النبيذ؟ قال: يهضم طعامي، قال: والله لما يهضم من عقلك ودينك أكثر. وسُئل شريك بن عبد الله عن النبيذ قال: إشرب منه ما لا يشرب عقلك. ويُروى أن عثمان بن عفان (رض) خطب الناس يومًا فقال: أيها الناس، اجتنبوا الخمر فإنها أُم الخبائث، ومفتاح كل شر، وإني سمعت رسول الله (ص) يقول: من شرب الخمر في الدنيا حرَّمها الله عليه في الآخرة، أيها الناس اتقوا الخمر فإنها من أجل الذنوب وأكبر الكبائر، ومن شرب الخمر وقع على أمه وأخته وهو لا يعلم، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر ولا يقعد على مائدة يُشرب عليها الخمر فإنَّ اللعنة تنزل عليهم ما داموا في مجلسهم ذلك. ومن عيوب الشراب أن صاحبه يتكرهه عند شربه ويكلحُ عند شمِّه ويغتم أن يفضل منه شيءٌ في قدحه، ويكثر عتاب ساقيه ويمزجه ليغيِّر طعمه ويتجرعه ولا يكاد يسيغه ويستعين بالنقل من بعده ليغيِّر طعمه ويلقى من الدوار والخمارما لا قوام له، مما يكدر كل لذة وينغص كل طيبة، كما قال بعض الحكماء: اولا أن المخمور يعلم علته لأوصى وصيته، وقد رأيت كثيرًا من الناس خدعوا أنفسهم بقول الأعشى: وكأسٍ شربت على لذةٍ ... وأُخرى تداويت منها بها وقولهم الخمر علاج الخمار، فأتبعوا السكر سكرًا فعرضت لهم أمراض صعبة منها الفالج والسكتة. وإن فعل ذلك قوم وسلموا من الأمراض لصحة أبدانهم وقوة أعضائهم فإن ذلك ليس بمخرجهم من الخطأ في فعلهم ولا يُحتج بهم على غيرهم. وذكروا أن رجلًا شرب عند خمار نصراني أيامًا فأصبح ميتًا فاجتمع الناس عليه وقالوا: قتلته، فقال: لا والله ما قتله إلا استعماله ما كان يغني فيه من هذا الشعر: داوِ الخُمار بخمرة الكأس المعتقة العُقار لو خامرت عقل العزير لزلَّ عن ظهر الحمار وقوله: وكأس شربت على لذةٍ ... وأُخرى تداويت منها بها وإكثاره منها على قلة الطعام فصار إلى ما ترون. وقال عبد الملك بن مروان وذكر الخمر: إن أولها لمُرّ، وآخرها لسُكر وإنها لتُذهب العقل وتكسب الجهل وتسقط المروءة وتفسد الفتوة، وتدعو إلى عشرة الوضيع وتحط درجة الرفيع، ولهي أسرع في عِرض الرجل وماله من النار في يبس العرفج. قال الزبير بن بكار، ذكر أبو الزناد، أن رجلًا من ثقيف جُلد في الشراب في خلافة عثمان بن عفّان (رض) وكان لذلك الرجل مكان من عثمان ومجلس في خلوته فلما جُلد أراد ذلك المجلس فمنعه عثمان إياه وقال له: لا تعود إلى مجلسك أبدًا إلا ومعنا ثالث. وعمل محمد بن عبد الملك الزيَّات أبياتًا، وكتبها في كتاب وعنونه إلى إبراهيم بن رياح وختمه ودسَّ رجلًا فدفعه إليه وهو متولي ديوان الضياع، فلما فضَّه إبراهيم تغير لونه وأمر فطلب الرجل فلم يوجد، وإذا في الكتاب أبيات منها: يا أبا إسحق إن الراح ضدٌّ للفلاح ؟ خدمة الواثق والطاسات في أيدي الملاحِ

1 / 115