الفصل الثاني والثلاثون
شرح مقامات اليقين وأحوال الموقنين
أصول مقامات اليقين التي ترد إليها فروع أحوال المتقين تسعة، أوّلها التوبة، والصبر، والشكر، والرجاء، والخوف، والزهد، والتوكل، والرضا، والمحبة وهذه محبة الخصوص وهي محبة المحبوب.
ذكر فروض التوبة
وشرح فضائلها ووصف التوابين
قال الله تعالى في البيان الأوّل من خطاب العموم: (وَتُوبُوا إلى الله جميعًا أيُّها الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور: ٣١ معناه: ارجعوا إليه من هوى نفوسكم ومن وقوفكم مع شهواتكم عسى أن تظفروا ببغيتكم في المعاد وكي تبقوا بقاء الله ﷿ في نعيم لا زوال له ولا نفاد ولكي تفوزوا وتسعدوا بدخول الجنة وتنجوا من النار فهذا هو الفلاح، وقال في البيان الثاني من مخاطبته الخصوص: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى الله تَوْبَةَ نَصُوحًا عسى ربُّكُمْ أنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تجري مِنْ تَحْتِها الأنهارُ) التحريم: ٨، فنصوحًا من النصح جاء على وزن فعول للمبالغة في النصح، وقد قرئت نصوحًا بضم النون فتكون حينئذ مصدر نصحت له نصحًا ونصوحًا فمعناه خالصة لله تعالى وقيل اشتقاقه من النصاح وهو الخيط أي مجردة لا تتعلق بشيء ولا يتعلق بها شيء وهو الاستقامة على الطاعة من غير روغان إلى معصية كما تروغ الثعالب وأن لا يحدث نفسه بعود إلى ذنب متى قدر عليه وأن يترك الذنب لأجل الله تعالى خالصًا لوجهه كما ارتكبه لأجل هواه مجمعًا عليه بقلبه وشهوته، فمتى أتى الله ﷿ بقلب سليم من الهوى وعلم خالص مستقيم على السنّة فقد ختم له بحسن الخاتمة، فحينئذ أدركته الحسنى السابقة وهذا هو التوبة النصوح وهذا العبد هو التوّاب المتطهّر الحبيب وهذا إخبار عمّن سبقت له من الله الحسنى ومن تداركه نعمة من ربه رحمه بها من تلوث السوأى وهو وصف لمن قصده بخطابه إذ يقول في كتابه: (