162

Sustento de los Corazones

قوت القلوب

Investigador

د. عاصم إبراهيم الكيالي

Editorial

دار الكتب العلمية - بيروت

Número de edición

الثانية

Año de publicación

١٤٢٦ هـ -٢٠٠٥ م

Ubicación del editor

لبنان

فخالف ماأردت فلم يعلم فعاقبته بهذه العقوبة فأوحى الله ﷿ إليه ليست هذه عقوبة ولم أفعل ذلك لهوانه عليّ ولكن هذه مغفرة ورحمة، إنه خالف أمري وكان قد اقترب أجله فكرهت له أن يلقاني على المخالفة فألقاه بما يكره فقيضت له كلبًا من كلابي فطهره للقائي فكان ذلك له عندي شهادة ودرجة فوق نبوته فقال سبحانك وبحمدك أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين فالعالم عند العلماء من علم خير الخيرين، فسبق إليه قبل فوته وعلم شر الخيرين فأعرض عنه لئلا يشغله عن الأخير منهما وعلم أيضًا خير الشرين ففعله إذا اضطر إليه وابتلى به وعلم شر الشرين فأمعن في الهرب منه واحتجب بحجابين عنه وفي هذه المعاني دقائق العلوم وغرائب الفهوم وأدلة للسائلين وعبرة وآيات للعالمين فأما شر الشرين ومعرفة الخير من الشر فهو معروف بأدلة العقول وظاهر العلوم. مسجدًا مثل ما بنو وأدعو الناس إلى شريعتي كما دعوا فبنى مسجدًا يضاهي به بيت المقدس وادعى على الله ﷿ أنه أمره بذلك وصرف الناس إليه وبذل لهم الأموال وأخرب مسجد بيت المقدس وهجره فدخل الناس في دينه رغبة ورهبة، قال: فابتعث الله نبيًّا من بعض أهل القرى فقال: اركب أتانك هذه وأت هؤلاء القوم أحفل ما يكونون فناد في مسجدهم ومجمعهم بأعلى صوتك: يامسجد الضرار إن الله ﷿ حلف باسمه ليوحشنك من عمارك وليقتلنّ أهلك فيك وليشدخنّهم بخشبك وجندلك ولتلغن الكلاب دماءهم وتأكل لحومهم فيك وناد في المدينة بأعلى صوتك بمثل ذلك ولا تأكل ولا تشرب ولا تستظل ولا تنزل عن أتانك هذه حتى ترجع إلى قريتك التي خرجت منها قال ففعل ذلك فثار الناس إليه يضربونه بالخشب ويشجونه بالحجارة وهو على أتانه لاينزل عنها فناله على ذلك أذى كثير وضرب عظيم ثم كرّ راجعًا في آخر النهار يؤمّ قريته التي خرج منها وقد أدّى الرسالة وصبر على الضرب والبلاء لله ﷿ فلما كان ببعض الطريق سمع به نبي آخر كان في بعض القرى استقبله وسلم عليه فقال: إنك قد أدّيت رسالة ربك وإنك أمضيت أمره وإنك قد نصبت ولقيت عناء من هؤلاء القوم وأنت جائع عطشان تسيل دماؤك على جسدك وثيابك فاغد إلى منزلك فكل واشرب واسترح واغسل جسدك وثيابك فقال إن الله ﷿ لما أرسلني قد كان عهد إليّ أن لا آكل ولا أشرب ولا أستظل حتى أرجع إلى أهلي فقال له النبي ﷺ: فإني من أهلك لأنني نبي مثلك وأخوك في الدين فلا أرى الله ﷿ عني بذلك إلا القوم الذين بعثك إليهم لأنهم أعداؤه فنهاك أن تأكل من طعامهم وتستظل عندهم ولا أحسب حرم عليك دخول منزلي ولا الأكل من طعامي لأني شريكك في الأخوّة والنبوّة قال: فصدقه وانصرف معه إلى منزله، فلما وضع الطعام بين يديه وأهوى ليأكل عن جوع شديد قد أضرّ به أوحى الله ﷿ إلى ذلك النبي الذي دعاه إلى منزله قل له: آثرت شهوتك وبطنك على أمري ألم أعهد إليك أن لا تنزل ولا تستظل ولا تأكل حتى ترجع إلى قريتك التي خرجت منها ولولا أنك اجتهدت برأيك وقلت بمبلغ علمك لعمكما العقاب وهو أقل عندي عذرًا منك لأني عهدت إليه فآثر هواه شهوته وترك عهدي، فأخبره النبي ﷺ بما أمر فوثب مذعورًا يجر إزاره وجعل يرحل أتانه ويعجل ولا يعقل ما هو فيه فركبها طاردًا لها على وجهه لجوعه وعطشه ودماؤه على ثيابه وجسده لاينثني، فلما هبط عن عقبة تحتها غيضة عارضه سبع فافترسه وانتصب السبع مقعيًا على قارعة الطريق يزأر يحرس أتانه ورحله كلما أقبل إنسان زأر الأسد عليه حتى يطرده فسمع بخبره ذاك النبي فأقبل نحوه فلما نظر إليه الأسد انصرف عنه وخلى بينه وبينه قال: فكفنه وواراه وانصرف برحله وأتانه إلى أهله، فقال: يارب عبدك هذا الذي بلغ رسالتك وأمضى أمرك وقد كان أجهده البلاء فخالف ماأردت فلم يعلم فعاقبته بهذه العقوبة فأوحى الله ﷿ إليه ليست هذه عقوبة ولم أفعل ذلك لهوانه عليّ ولكن هذه مغفرة ورحمة، إنه خالف أمري وكان قد اقترب أجله فكرهت له أن يلقاني على المخالفة فألقاه بما يكره فقيضت له كلبًا من كلابي فطهره للقائي فكان ذلك له عندي شهادة ودرجة فوق نبوته فقال سبحانك وبحمدك أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين فالعالم عند العلماء من علم خير الخيرين، فسبق إليه قبل فوته وعلم شر الخيرين فأعرض عنه لئلا يشغله عن الأخير منهما وعلم أيضًا خير الشرين ففعله إذا اضطر إليه وابتلى به وعلم شر الشرين فأمعن في الهرب منه واحتجب بحجابين عنه وفي هذه المعاني دقائق العلوم وغرائب الفهوم وأدلة للسائلين وعبرة وآيات للعالمين فأما شر الشرين ومعرفة الخير من الشر فهو معروف بأدلة العقول وظاهر العلوم.

1 / 168