وكان مما جاء به الإسلام ودعى إليه تنظيم حياة الناس من خلال اختيار قيادات للمجتمع، توجهه وترعى شئونه، باعتبار ذلك مسؤولية يتحمل عبئها أصحاب الكفاءة القادرون، ليحققوا للناس حياة كريمة مستقرة، ثم وضع مقاييس للكفاءة واستحقاق الزعامة تتلاءم مع مصالح الإنسان وفطرته ومنهج حياته؛ ولكنها لم تلبث طويلا حتى طغت عليها المزايدات وغيبت بين ركام الدعاوى والتنافس، وتحولت مع الزمن إلى بؤر للخلاف الساخن، وأساس لكثير من أشكال الخصومة والنزاع، «فأفضت الحال إلى أن صار الموافق في الإمامة معظما مقبولا، وإن كان من أخس الناس، والمخالف في عقيدتها ملوما مذموما وإن كان من أبلغ الأكياس؛ حتى كأنه لم يشرع من الدين، ولا بعث سيد المرسلين إلا لهذه المسألة، وأما بقية الأركان فمغفلة مهملة»(1). فالكل يزعم أنه الأولى بالتميز، والأحق بالزعامة؛ لاعتبارات هامة في نظره، يسعى لتسريبها بشكل أو بآخر إلى قناعات الآخرين، ولو أحتاج في سبيل ذلك للخشونة، حتى قال الشهرستاني: «ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان»(2).
ومن أبرز القضايا الساخنة في هذا الجانب وأكثرها حساسية دعوى استحقاق الخلافة على أساس العشيرة والعرق، وما صحب ذلك من حشد للأدلة وتطويع للنصوص لجعلها إما مسألة من مسائل أصول العقيدة وأما حكما شرعيا ثابتا لا يدخله الاجتهاد، ولا يجوز إعادة النظر فيه.
Página 6