وفور مقتل عثمان، انطلقت جماهير المهاجرين والأنصار إلى الإمام علي بن أبي طالب، وطلبوا منه الخروج لبيعة مفتوحة، فلم يجد بدا من الاستجابة لهم، وعبر عن ذلك بقوله: « أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لو لا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز» (1). وبذلك تحقق لأول مرة الفكر الجماعي والشورى المفتوحة في اختيار الخليفة.
وفي أيام علي اختلفت الأمور كما كان متوقعا فقد أعلن أن تنصيب أي خليفة متوقف على الشورى المفتوحة للمهاجرين والأنصار، فقال: « إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا»(2).
وهنالك وجد الأنصار متنفسا وكانوا سعداء بما أفضت إليه الحال، فالتفوا حول علي كما كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسرعان ما شغل كل كفء موقعه في المشاركة في تسيير شؤون المجتمع الإسلامي، فتولى القادرون منهم أهم أمصار المسلمين.. قيس بن سعد على مصر، وسهل بن حنيف على الشام، وأبو أيوب على المدينة، وعثمان بن حنيف على البصرة، وقرضة بن كعب على الكوفة.
ومن جهة أخرى ألغى الإمام علي المحاباة الأسرية، ونسف كل أجراء قام على أساسها، فألغى الخصوصيات التي كان بعض كبراء قريش قد ألفوها، وقال: «والله لو وجدته (أي المال المأخوذ بغير حق) قد تزوجت به النساء، وملكت به الإماء؛ لرددته، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل، فالجور عليه أضيق»(3).
Página 33