Qur'ānists: Origins - Beliefs - Evidence
القرآنيون، نشأهم - عقائدهم - أدلتهم
Editorial
دار القبس
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
Ubicación del editor
دمشق
Géneros
التمهيد
إن الصراعَ الفكريّ الذي شرَقَت به البشريةُ على امتداد عمرِها لم تسلَمْ منه الأمة المسلمة في عصرٍ من العصور، فقد تجادلت فرقُ المسلمين فيما بينها جدالًا لم يدَعْ وسيلةً إلا وسخّرها له، ولقد ولّد هذا الصراعُ الفكريّ خيرًا كثيرًا، وشرًّا مستطيرًا!
أما الخيرُ الكثيرُ ففي بيان الحقّ، وإيضاح الهُدى، وإجلاء الرَّشَد؛ الأمر الذي لا يتطلب من باغي الحقّ إلا صِدْقَ القَصْدِ، وإخلاصَ النية؛ مشفوعَين بالجدّ في الطلب، والحثّ في السعي في سبيل رضا الباري جل وعلا.
وأما الشّرّ المستطير فإن الباطلَ قد تقيّأَ ضلالاتٍ وشُبَهًا وبِدعًا تلقّفتها القلوبُ المريضة، والتقطتها النفوسُ السقيمة؛ فأُشرِبَتْها وأُسكِرَت بحُميّاها، حتى اختفى أمامَ عيونِ بصائرِهم من الحقيقةِ مُحيّاها!
وإنّ شيئًا لن يُوقِفَ جولاتِ الصراعات بين أفكار الناس حتى المسلمين منهم، بل لعلّ المسلمين لديهم من وقود الصراع ما يفوقُ سواهُم من الناس!
ذلك بأنه إن كان ليس لدى غيرِ المسلمين إلا الأهواءُ المجرّدةُ عن الأدلة المعتبرة؛ ولا رابطَ حقيقيًّا يربطهم بجذورِ أمَمهم التي ينتسبون لها، ولا وشائجَ بينهم وبين مصادرِ أديانِهم إلا الخرافةُ والزور المُصدّق.
فإنّ بين يدي المسلمين سنةَ نبيٍّ كريمٍ ﷺ ضَمّت - وضُمَّ إليها - الآلاف من الأحاديث التي تصارعت حولَها الطوائفُ والفِرق نفيًا وإثباتًا، واستنباطًا وتطويعًا.
ولديهم كذلك تاريخٌ حافلٌ فيه سمومٌ ودُسوم، وفيه رواياتٌ متعارضَة، وأخبارٌ متناقضَة؛ بحيثُ لا يعدم صاحبُ فكرةٍ خبرًا عن زيدٍ أو عمرٍو يؤيّدُ فكرتَه، أو روايةً تعضُدُ نظرتَه.
ويأتي على رأس ذلك كلِّهِ قرآنٌ لعِبَت بالاهتداء به الأهواء، وحاولت تسخيرَهُ الأنظارُ والآراء، فهو كما أنه نبراسُ الهداية، فهو مع ذلك مَزلّةُ الغواية، ومع أنه منارُ الرشد، فإنه مَزلقٌ إلى الضلالة، كما قال مُنزِلُهُ ﷾: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [سورة الإسراء ١٧: الآية ٨٢].
1 / 11