وعبارة " خرج منه " في حد ذاتها تدلك أولا على تشبيه الله بخلقه لأن ذلك كما هو معلوم إنما يقال في حقنا نحن البشر ، فنقول : " خرج من فيه الكلام " ، وفي حديث للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله لعبد الله بن عمرو بن العاص ما معناه : " أكتب فوالله لا يخرج منه إلا الحق " ، وأشار إلى فيه عليه وعلى آله الصلاة والسلام ، واستخدام ذات العبارة في حق الله تشبيه واضح له بخلقه ، ولم يبق إلا أن يقال صراحة : خرج من فيه ، سبحانه وتعالى عما يصفون ، وهم في الحقيقة إنما أرادوا بذلك أن يؤكدوا ما ذهبوا إليه من أن الكلام قائم بذاته وانه يتكلم بصوت وكلامه صادر عنه مباشرة فعبروا عنه بذلك التعبير الذي لم يرد في كتاب الله وكفى به حكما ومرجعا .
4- أما الرابعة فهي كما نقله واحتج به صاحب الكتاب المذكور بقوله : ( وقال عبد الله بن محمد العيشي : " يستحيل في صفة الحكيم أن يخلق كلاما يدعي الربوبية ، يعني - والكلام لصاحب الكتاب - قوله تعالى : " اني أنا الله " ، وقوله : " أنا ربك " (8) ، وهل القول بأن الله يخلق الكلام ويحدثه يعني أن المتكلم هو الكلام وهو الذي قال : " اني أنا الله " أم الله سبحانه وتعالى هو المتكلم وهو من خلق الكلام وأحدثه وهو القائل ذلك عز وجل ؟!!
وهذه شبهة شبيهه بما عرضناه سابقا في قولهم بأن الكلام ذلك يعتبر ، وهو ما شرحناه ، ويكفي أن نقول هنا بأنه يمكن الرد عليهم بنفس المنطق بما هو أعظم إلزاما لهم ، إذ قد يقال لهم أنكم بهذا الذي أوردتموه يلزمكم الإعتراض على الله سبحانه لأنه خلق فرعون الذي ثبت بنص القرآن أنه ادعى الربوبية وقال : " أنا ربكم الأعلى " ، فكيف يخلق إنسانا يدعي هذا بالفعل ، لا كما ذهبوا إليه من أوهام وترهات بشأن الكلام ؟!!
نكتفي بهذا القدر من إيراد أقوالهم الركيكة على أن نأتي بالأدلة السمعية للفريقين في الحلقة القادمة والأخيرة بمشيئة الله تعالى .
الهامش : -
( 1 ، 2 ) شرح الأساس الكبير للعلامة أحمد بن محمد الشرفي ، تحقيق الدكتور أحمد عبدالله عارف ج2 / ص102 .
( 3 ) المصدر السابق ج2 / ص108 .
( 4 ) معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ج1 / ص276 ، للشيخ حافظ بن أحمد حكمي ، دار ابن القيم للنشر والتوزيع - الدمام ، السعودية ، الطبعة الأولى 1410 ه _ 1990 م .
( 5 ) المصدر السابق 1/273 .
( 6 ) المصدر السابق 1/259 .
( 7 ، 8 ) المصدر السابق 1/277 .
....
Página 59