وبهذا نكون قد انتهينا من عرض ومناقشة أهم استدلالاتهم العقلية التي دارت كما رأينا حول محاولة إثبات أزلية كلام الله بوجه عام ، وانه متكلم بكلام قديم ، باعتبار أن إثبات ذلك أمر ضروري يتوقف عليه ثبوت صحة رأيهم فيما يخص القرآن تحديدا ، كونه عنوان الصراع المذهبي والخلاف الفكري الرئيسي في هذه المسألة ، وإذا كانوا قد أخفقوا كما رأينا في إثبات رأيهم بخصوص القرآن من خلال ذلك العنوان العام " كلام الله وصفات التكلم " فإنهم على صعيد العنوان الخاص ( القرآن ) - وخلافا لخصومهم - لم يتمكنوا في الحقيقة من تقديم أي استدلالات عقلية مباشرة وخاصة به ، كأن تكون مستندة إلى شيء من مضامينه أو خصائصه أو أي جانب حقيقي من جوانبه التي يمكن الاستدلال من خلالها على قدمه - من وجهة نظرهم على الأقل - أو يلزم منها بطلان حدوثه وخلقه لتحل محلها معارضات سقيمة للحنابلة وعلمائهم الأوائل ، وشبهات سطحية أثاروها ضد القول بخلق القرآن ، والتباسات في المفهوم رسوخها في أذهان العامة ، وأقوال عجيبة نزلوا بها إلى مرتبة العوام ، وغير ذلك مما أنتجته عقلية الحنابلة وأتوا فيها بالعجب العجاب ، ودونوه في كتبهم ، واعتبروها استدلالات قوية ومفحمة للخصم بل وملزمة له بإلزامات شنيعة بعد أن قدموها لأتباعهم على نحو يثير عواطفهم الدينية ، ويحمل نتائج يستعظمونها ومقدمات لا أساس لها ولا مستند ، وقد نأى علماء الأشاعرة بأنفسهم عنها ، ونزهوا كتبهم منها ، غير أنها كانت أكثر حضورا في أذهان الحنابلة ومن جاء بعدهم من السلفية وأعظم أثرا فتوقفوا ولا زالوا يتوقفون عندها ويعتمدونها ويوردونها في كتبهم المعاصرة محتجين بها ، ويكفي أن يقال قال فلان وقال فلان ... حتى يغلقوا عقولهم وينظروا إليها على أنها حجة قاطعة ومفحمة !! في الوقت الذي يجهلون فيه صلب الموضوع وإشكالاته الأساسية وأدلته الحقيقية التي يجب أن تناقش وتطرح مما عرضناه سابقا وبيناه ونظرأ لما ذكرناه سابقا كان لابد من استعراض بعضها .
.....
Página 55