أي أن ما ذكرتموه إنما يلزمنا لو كان المتكلم عندنا هو من قام به الكلام ، وبالتالي فإن حلول الكلام من عدمه أمر آخر لا علاقة له بذلك ، ولا يغير من حقيقة أن المتكلم هو فاعل الكلام ، ثم يأتي بعد ذلك بما يؤكد على جواز أن يكون الله تعالى متكلما بكلام موجود في غيره ، دون أن يلزم من ذلك نسبة كلامه إلى ذلك الغير ، فما دام قد ثبت انه تعالى منعم بنعمة موجودة في غيره ومحسن بإحسان موجود في غيره ، فيجوز إذا أن يكون المتكلم بكلام موجود في غيره ، مؤكدا بأن الجامع بين هذا وذاك أنها جميعا من الأسماء الاشتقاقية ( من أسماء الفاعلين ) لا يفهم من إطلاقها على الله تعالى سوى أنه فاعل الإحسان والإنعام والكلام ، ولم يقل أحد بأن الإحسان يكون في هذه الحالة هو إحسان ذلك الغير ، أو إنعام ذلك الغير .
ونلفت النظر هنا إلى أن تلك الشبهة قد جاءت في القرون الماضية مطابقة ومنسجمة مع عقلية العامة وتصوراتهم الحسية السطحية - كما بيناه سابقا - إضافة إلى عدم تصورهم آنذاك أن يسمعوا كلام المتكلم منهم من خلال شيء آخر غيره ( أي محل آخر ) وليس مباشرة ، ناهيك عن استغلال القائلين بقدم القرآن ( الحنابلة بشكل خاص ) لتلك الشبهة وذلك التصور في إثارة عواطفهم الدينية ضد خلق القرآن ( جوهر المسألة ) من خلال القول بأن ما ذهب إليه خصومهم من أن كلام الله تعالى قائم بغيره يلزم منه أن يكون القرآن الذي هو كلام الله كلام ذلك الغير ، وليس كلام الله !! وناهيك بالقرآن مكانة في نفوس الناس .
Página 53