الحلقة الرابعة :-
استعرضنا في الحلقة الماضية أهم الأدلة العقلية التي احتج بها القائلون بحدوث كلام الله ومنه القرآن ، لاسيما المتعلق منها بحقيقة الكلام والذي أثبتوا من خلاله أن كلام الله يستحيل أن يكون أزليا أو قائما بذاته تعالى ، باعتبار أن ما نسمعه ونقرأه بين الدفتين الذي لا خلاف في كونه كلام الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم هو عبارة عن ألفاظ مركبه من حروف وأصوات ، وقد دل العلم الضروري على حدوثها وبالتالي حدوث كلام الله واستحالة قدمه ، لأن القول بقدمه وأزليته يلزم منه القول بقدم تلك الحروف والأصوات والألفاظ المكونة منها ( أي الكلام ) وهذا محال ، إذ أن كل واحد منا يدرك بالضرورة أنها متتابعة ويتلو بعضها بعضا والكلمة اللاحقة منها تأتي بعد السابقة لها أي أنها مسبوقة بالعدم ، وما ثبت عدمه امتنع قدمه ، وثبت بالتالي أن كلامه تعالى يستحيل أن يكون أزليا ، كما يستحيل أن يكون قائما بذاته أيضا ، لاستحالة أن يكون القديم محلا للحوادث ، وما يؤدي إلى محال محال ، والقول به في هذه الحالة فيه إنكار وجحد للضروريات وتجاهلها وتجاوزها من جهة ، وإلزام القائلين به إلزامات شنيعة لا مفر لهم منها من جهة ثانية ، أشنعها جعلهم الله محلا للحوادث وتشبيهه بخلقه ، وهذا ينطبق - كما رأينا في الحلقة السابقة - على السلفية الذين لم يأبهوا بذلك ، ولا قدموا أي رد عليه ، وقالوا صراحة بقدم تلك الحروف والأصوات المركب منها كلام الله الذي نسمعه ونقرأه ( ما بين الدفتين ) وأنه تعالى تكلم به (حقيقة) !! أي بحروف وأصوات أزليه قائمة بذاته !!! وهم الوحيدون الذين قالوا بذلك دون سائر الفرق الإسلامية الموافقة لهم في القول بأزلية كلام الله وعدم خلق القرآن ( الأشعرية والماتريدية والكرامية ) ، واليك ما ورد في أحد كتبهم المعاصرة المعتمدة في العقائد الذي يدرس في كليات الشريعة والأصول والجامعات الإسلامية بالرياض والمدينة المنورة وغيرها....
Página 37