إلا أن نشوء هذه المسألة لم يكن أساسا نتيجة خلاف فكري وقع ابتداء بين فريقين من المسلمين ، ولا كان مجرد ترف فكري أو إرضاء للأهواء كما لازال يتصوره الكثيرون اليوم ويرددونه تبعا لاتهامات أسلافهم ، وإنما هو في الحقيقة - التي لازالت خافية وغائبة عن الكثيرين - نتيجة الخلاف الرئيسي بين الإسلام والمسيحية ، المتمثل في الاعتقاد بألوهية المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا افضل الصلاة وأتم التسليم ، وكان الخوض فيها من قبل فريق من علماء ومتكلمي المسلمين ضرورة فرضها واجب الدفاع عن العقيدة الإسلامية ، والحاجة الماسة إلى صياغة ثوابتها ومضامينها القرآنية المجملة ومواقفها الحاسمة من ذلك الاعتقاد بالنسبة للمسيحية ، ومن سائر المعتقدات الضالة والباطلة بالنسبة للديانات الأخرى ، صياغة فكرية كلامية وإثباتها بأدلة عقلية في مواجهة الحملة الفكرية الشرسة - الظاهرة والخافية والمتنوعة الوسائل والأساليب - التي تعرض لها الإسلام والمسلمون آنذاك من قبل أصحاب الديانات الأخرى بعد تغلبه على بلدانهم ، ودخول الكثير من أبنائها في الإسلام ، ليواجه تلك المعتقدات التي كان من بينها - فيما يخص موضوعنا - صلب العقيدة المسيحية المتمثل في الاعتقاد بألوهية المسيح عليه السلام .
Página 20