ولعله من الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى أن هناك فرقا آنذاك كانت تقول بخلق القرآن ، أئمة وعلماء كبار لهم وزنهم ومكانتهم بين المسلمين ولهم مدرستهم الفقهية والفكرية الكلامية المتميزة والمستقلة التي كان يقصدها الفقهاء وطلاب العلم من كل مكان وتخرج منها الكثير من أعلام الأمة ، إنها مدرسة أئمة أهل البيت عليهم السلام في المدينة المنورة ، ومن ورائهم شيعتهم من الزيدية وغيرهم ، ولو فتشت في كتب التاريخ وغيرها لما وجدت لأولئك الأئمة الأطهار ذكرا في أمر المحنه ، ولا تصريحا برأيهم في تلك المسألة للعامة ، وحاشاهم أن يقروا المعتزلة والدولة على الباطل والظلم ، أو يرضوا بوقوع ما وقع للمحدثين والعلماء من حبس وجلد وسفك دماء ،....، أو يؤازروا الحكام الظلمة على ظلمهم وتسلطهم وكيف لا وهم يعيشون حالة مواجة مستمرة معهم ، وقد نذروا أنفسهم لمقاومة الظلم والجور والإنحراف ، ولقوا في سبيل ذلك ما لم يلقه أحد من ويلات ومآس وتقتيل وتشريد وملاحقة ...الخ .
ولذا لم ينأوا بأنفسهم عن ذلك فحسب وينكروه بل حرصوا على إخماد تلك الفتنه ، حيث كانوا يأمرون شيعتهم والعامة بعدم الخوض في تلك المسألة وإثارتها ، وكان من الطبيعي أن يقصدهم الناس من مختلف الإتجاهات في تلك المعمعة ويسألوهم عن قولهم في القرآن أهو مخلوق أم غير مخلوق ؟ فلا يزيدون على القول بأنه كلام الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجعله هدى ورحمة للناس ، وغاية ما يمكن يضيفه أحدهم _ إن ألح عليه السائل _ أن يتلوا قوله تعالى : ( وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ( ، وهذا ما لا يسع أحد من المسلمين أن يرده أو يختلف حوله مع آخر ، ومعلوم أن الذكر هو القرآن ، ومحدث ومخلوق بمعنى واحد .
Página 10