ورفع أبو السباع رأسه الضخم الأصلع إلي، ولاحت على شفتيه الجافتين شبه ابتسامة، وفي عينيه الراضيتين شبه استغراب، فتقدمت أكثر وألقيت بنفسي على ركبتي، وأنا أهتف: مولاي السلطان! هل تسمحون لي بأن أقبل قدميكم؟!
ونهض السلطان واقفا، في جلال يعرفه الجميع عنه انحنى ووضع يديه على كتفي (يظهر أنني كنت قد نسيت نفسي!) وقال: «قم يا بني، قم وخذ جزاءك من عبيدي.» وأشار بإصبعه الذي يلمع فيه خاتم ذهبي مرصع بفص من الفيروز إلى مسرور السياف، فأسرع وجذبني معه إلى الخارج، لا أدري إن كان الجمهور قد هاج وثار أم ضحك وزاط، أم لبث هادئا ولم يلاحظ شيئا (فمن حسن الحظ أن الجمهور في كل ليلة غالبا ما يكون غيره في الليلة السابقة). المهم أنني كنت أنتظر جزائي في الخارج.
بعد أن قلت كلمتي نلت جزءا منه، والباقي بعد أن انتهت الرواية، ألم أقل لكم: إنهم تجمعوا حولي وصفعوني على وجهي وركلوني بالأقدام؟ ألم أقل لكم إنهم طردوني من المسرح؟!
القلم
ضربوني يا سعادة البيه، والله يا سعادة البيه ضربوني، أولاد الحرام اتلموا علي، هجموا علي في عز الليل، كنت في حالي لا بي ولا علي، نزلوا علي ضرب، بهدلوني، نعم؟ أحكي الحكاية لسعادتك؟ من الأول؟ الله يعمر بيتك ويوقف لك أولاد الحلال، ينصرك على الظالم ويرزقك برزق عيالك، نعم يا سيدنا الأفندي؟ من هم؟ ناس ظلمة بعيد عنك، اتلموا علي وضربوني، هجموا علي من الباب للطاق، قلم وراء قلم، آه وحياتك عندي، نزل يرف على أصداغي، لا عمري شفتهم ولا كلمت أحدا منهم، أي والله يا سعادة البيه، لا مؤاخذة؟ أقول الحكاية من الأول؟ أدخل في الموضوع على طول؟ حاضر يا سعادة البيه، على عيني وراسي، ربنا يعمر بيتك ويوقف لك أولاد الحلال، قلت لسعادتك: إنهم ضربوني، هم من؟ ناس أولاد حرام بعيد عنك، أقول الأول أنا من؟ اسمي وبلدي وصنعتي؟ أمرك يا سعادة البيه، والأمر كله لله.
اسمي عبد الموجود.
عبد الموجود من؟
محسوبك عبد الموجود بن عبد الموجود، أي والله وحياة مقامك عندي، لا مؤاخذة من الصعيد الجواني، البلد؟ مركز جرجا يا سعادة البيه، رجل على قد حالي، يوم هنا ويوم هناك وكلها أرض الله، يوم فلاح ويوم بياع فجل ويوم شيال على ظهري، ويوم أشتغل وعشرة من غير شغل، وكلها لقمة عيش والرزق كله بالله، تركت الولية والعيال في البلد، وقلت: أسعى على باب الله، أصل لقمة العيش تحب التعب والشقا، إنما الأرزاق كلها ولا يخفى على سعادتك على الله، أدخل في الموضوع؟ ما هي الحكاية؟ حاضر يا سعادة البيه، ما أنا قلت لسعادتك أنهم ضربوني، أي والله هجموا علي وضربوني، أولاد الحرام اتلموا علي وبهدلوني، كنت في حالي لا بي ولا علي، في عز الليل والدنيا ساكتة والناس نايمة في بيوتها، وأنا ماشي في حالي لا أكلم أحد ولا أبص لأحد، بصيت لاقيتهم من بعيد ، جماعة بهوات محترمين، كانوا مفرفشين ومبسوطين وضحكهم يصحي النائمين، قلت يا عبد الموجود لازم راجعين من السيما، الله يلعن السيما وسنينها، من يوم ما دخلت البر والناس بقى حالها غير الحال، تعلموا السهر وطلع من قلوبهم الإيمان، أنا قلت في سري: ما لك يا ولد ومالهم، شبان ورائقين وربنا يمتعهم بشبابهم، ربنا قادر على كل شيء، ومصيره يصلح حالهم ويهدي قلوب المسلمين، قربوا مني قلت أبعد عنهم، فاتوا من جنبي قلت اللهم فوت الليلة على خير، تغامزوا وتلامزوا قلت اللهم اخزك يا شيطان، فرقعوا بالضحك والقهقهة قلت جمد قلبك يا عبد الموجود، أنت في حالك وهم في حالهم، وكل واحد وله طريق، وقفوا ورائي قلت في عقل بالي مصير كل حي يروح في حاله، سمعت واحد منهم ينادي علي: إنت يا رجل يا فلاح! أقول الحق قلبي سقط في رجلي، بصيت ورائي وأنا أرتعش، جمدت قلبي وقلت: نعم يا سيدنا الأفندي؟ نادى علي وقال: تعال هنا! قلت وأنا ركبي تنتفض: أيها خدمة يا سيدنا الأفندي؟ وقفت قدامه في أمان الله لقيت القلم نزل على صدغي قلت: آه! تقول ترماي وصدمني! آي وحق من أحياني، جئت أتكلم كان القلم الثاني حصله، تقول كرباج ولسعني، سكينة وانغرزت في عيني؟ سعادتك تضحك، آي والله يا حضرة البيه، يمكن صحيح حاجة تضحك، لكن أنا لقيتني من غير مؤاخذة دخت ودماغي لفت وعيني زغللت، ما عرفت رأسي من رجلي، الأفندية ضحكوا وهللوا واتلموا علي، واحد يشد هدومي، والثاني يلطمني على قفاي، والثالث يناولني بالشلوت، حتى دقني شدوها وضحكوا عليها، وأنا ولا يخفى على سعادتك، رجل كباره وصاحب عيال، أي والله صاحب عيال، يمكن قدهم أو أكبر منهم، صحيح لا عمري لبست بذلة ولا دخلت مدارس، لكن رجل كبير ومخلف عيال.
يا ناس عيب! يا ناس أنا رجل كبير، رجل على باب الله، هو الغلبان كفر يا ناس؟ يا أفندية حرام عليكم، الدنيا ليل والناس نايمة في بيوتها ، يا ناس بلا ضرب وبلا إهانة.
يعني ما لقيتم غيري تضحكوا عليه، آه! آه! الأقلام دوختني، الشلاليت هدت ظهري، شلوت من اليمين وقلم من الشمال، رفسة في البطن وهبدة على الدماغ، قل وقعت على الأرض.
Página desconocida