فوقتا أسمى راعي الظبي بالفلا
ووقتا أسمى راهبا ومنجما
وهكذا تمضي القصيدة، حتى لتصبح في اكتمالها رمزا كبيرا للثالوث الذي هو - كما يقول - أساس «الفردية».
وكذلك نجد للعدد 4 أهمية خاصة في رموز ابن عربي، إذ الأربعات عنده كثيرة ومنوعة، يوضحها بالشرح، أكثر مما يعينها باللفظ في شعره، فهو يقول - مثلا - عند شرحه للمراد بكلمة «توراة» (ص17) إن التوراة فيها إشارة إلى النور (لأن الكلمة مشتقة من ورى الزند) وما دامت الحكمة الإلهية قائمة على النور، فهي قائمة على الأربعة الأوجه التي يقوم عليها النور، وهي: المشكاة، والمصباح، والزجاج، والزيت. هذا إلى أن حملة العرش أربعة، هي الكتب الأربعة: التوراة والزبور والإنجيل والقرآن.
ومن الأربعات التي يتردد ذكرها في شروحه، مراحل التجلي الأربع، التي يقول إنها: الذوق، والشراب، والري، والسكر، ومنها كذلك قواعد الخلوة الأربعة: الصمت، والعزلة، والجوع، والسهر. (7)
الرمز بالصور، وها هنا تكمن روح الشاعر وأصالته، فالشعر - كالأحلام - لغته صور مجسدة، يكون بينها وبين حوادث العالم الواقع موازاة، بمعنى أن يقابل كل جانب من الصورة الشعرية الرامزة، جانبا من الموقف الواقعي المرموز له. وشعر ابن عربي غني بهذه الصور التي يصل ببعضها إلى ذروة الذرى في الفن الشعري. وأحيانا تقتصر الموازاة الصورية على جزئيات داخل بناء القصيدة، لكن هذه الموازاة - أحيانا أخرى - تكون بين القصيدة كلها مأخوذة في جملتها، وبين الحقيقة المراد الرمز لها بهذه القصيدة. على أن الصور بنوعيها تشير دائما إلى الحقائق الإلهية، أو الأسماء الإلهية، أو الواردات الإلهية، أو الصفات الإلهية، أو الحكمة الإلهية فترى هذه المعاني الإلهية مصورة على هيئة غادات حسان، أو حمامات نائحات، أو طواويس جميلة الريش، أو ما إلى ذلك، ثم تبنى الصورة بعد ذلك على أي نحو شاء الشاعر، فمن أمثلة الصور الجزئية:
الطواويس محمولة في رحال الإبل.
بلقيس جالسة على عرش من الدر.
بلقيس تتمشى على صرح من زجاج.
شمس على فلك في حجر إدريس.
Página desconocida