فقال الكاهن: «ابن بليوس رب الأعماق من زوجته ذيتيس! أليس فيكم أخيل؟! ...»
فأجاب أجاممنون: «ومن أخيل أيها الأب المقدس؟!»
فقال الكاهن: «هو ابن ذيتيس التي قالت فيها ربات الأقدار إنها تلد غلاما يكسف مجده مجد أبيه، ابحثوا عنه، فلن تفتح طروادة إلا أن يكون معكم، ولن ينفعكم أن تذهبوا بدونه، هكذا قالت الآلهة.»
أخيل
شده القوم، ونظر بعضهم إلى بعض، ونهض الكاهن الوقور ذو اللحية المرتعشة يضرب في غبشة الصبح متكئا على عكازه الذي أحنته وأحنت صاحبه السنون، ولم يكد يتسنم ذروة الجبل حتى أشرقت ذكاء، فاختلط ذهب أشعتها بفضة لحيته، فزادته رهبة وزاد البعد وقارا، وملأ بهامته السامقة وطيلسانه القشيب قلوب العسكر وعيون القادة ألغازا وأسرارا. •••
عاشت ذيتيس في كنف بليوس قانعة راضية لا يعنيها من هذا العالم الرحب إلا الجنين الحبيب الذي يتقلب في أحشائها فتتقلب معه أكبر الآمال.
ومضت شهور ووضعته غلاما بكاء كثير الصخب، يضرب الهواء برجليه الصغيرتين فكأنما يضرب المشرقين والمغربين، وينظر في السماء العميقة بعينيه الزرقاوين وكأنما يبحث في أغوارها عن جده، ومجده، وترى إليه أمه وتبتسم.
وشب الغلام وأيفع؛ وتحدثت إلى أمه العرافات والكاشفات الغيب أن سيكون محاربا عظيما تتحدث بذكره الركبان وتتعطر باسمه المحافل في كل زمان ومكان؛ وأن لا بد من رحلة به إلى الدار الآخرة - هيدز مملكة بلوتو - حيث تستطيع الأم غمس ابنها في أمواه ستيكس، نهر الخلود الزاخر، الذي أودعته الآلهة أسرارها ونظمت فيه شعراء الأولمب أشعارها، واشتهرت بركاته في العالمين.
حدثنها أنها إن غسلت ابنها في أمواه ستيكس فإنها تكسب جسمه مناعة ضد الموت، وحفاظا من الفناء؛ لأن جلده يصبح كالدرع المسرودة من حديد، لا تنفذ فيه السهام، ولا يؤثر فيه طعن القنا، ولا ضرب المشرفيات البيض.
ووقفت به على شواطئ ستيكس!
Página desconocida