التي نيفت على الثمانين ولم يصلنا منها - ويا للأسف - إلا سبع: «إنهن فتات موائد هوميروس الحافلة!» والثابت أنه استخدم أبطال الملاحم الهومرية في أكثر ما ألف إن لم يكن في كل ما ألف، فهل كانت جميع مآسي إسخيلوس عن أبطال الإلياذة والأوديسة فقط؟!
وقد ألف سوفوكليس أربعا وعشرين ومائة مأساة، وكانت مآسيه تحوم حول أبطال هوميروس
5
كما كان يفعل إسخيلوس، فهل كانت أبطاله في هذه الأربع والعشرين والمائة المأساة كلها من الإلياذة والأوديسة؟
يقول المؤرخون حين يعرضون لهذا إن كلا من إسخيلوس وسوفوكليس كان يعد كل ما وصل إليهما من ملاحم العصر القديم هومريا، ولو لم يكن من نظم هوميروس، ومن هذا التراث العظيم استمدا موضوعات مآسيهما، بل يقولون إنهما كانا يدعوان ذاك العصر كله العصر الهوميري، على أنه ليس في هذا الكلام دليل على أن هوميروس لم ينظم غير الإلياذة والأوديسة، وإلا لم يقل إسخيلوس إن مآسيه فتات من موائده الحافلة؛ لأن إسخيلوس كان يعني ما يقول أكثر مما يحاول مؤرخو زماننا هذا أن يفهموا من عبارته وجهها الصحيح، وهو ولا شك كان يعني هوميروس نفسه ولم يعن عصره كله وبعض العصر الذي سبقه وبعض العصر الذي جاء بعده، أو ما يسميه المؤرخون العصر الهوميري، أو ما يزعمون أن إجزنوفان (القرن السادس) كان يدعوه كذلك.
هذا وقد اعترف تيوسيديدز لهوميروس بالإلياذة وبالأوديسة وبترتيلة أبوللو؛ أما أفلاطون فلم يستشهد بأكثر من نتف من الإلياذة والأوديسة وجاء أرسطو فاعترف له بالإلياذة والأوديسة وملحمة فكاهية تدعى «مارجيتس» ضاعت فيما ضاع من تراث الإغريق، أما أرسطرخوس الإسكندري العظيم (160ق.م) فلم يعترف له بأكثر من الإلياذة والأوديسة.
وعلى ذكر أفلاطون وأرسطو نروي أن كلا منهما كان يقتني نسخة من الإلياذة مختلفة في كثير من فصولها عن النسخة الأخرى، ولم يستطع المؤرخون تعليل ذلك بعد، اللهم إلا ما يعزى إلى بزستراتوس - منظم أشعار هوميروس فيما يقال - من أنه تناول الإلياذة بشيء من التحوير، وأقحم عليها زيادات في تمجيد الأثينيين، وهو ما يشك في صحته الأساتذة لانج وامري وبورا والعلامة كارل موللر.
على أنه ليس بزستراتوس وحده الذي اتهم (بتحشية) الإلياذة والتزوير على هوميروس ، بل إن صولون نفسه قد اتهم بمثل ذلك، بل اتهمت بها كل مدينة يونانية، وما حدث للإلياذة من ذاك القبيل هو ما حصل لحديث الرسول
صلى الله عليه وسلم
حينما اختلفت الأحزاب وأراد كل منها أن ينصر مذهبه بأثر من كلام الرسول، فكثر التلفيق وشاع الوضع، ثم نشأ بعد ذلك ما نشأ من مدارس الحديث، وشمر الأئمة في التجريد والتضعيف وما إلى ذلك، فمثل هذا حدث في اليونان القديمة.
Página desconocida