أما الدين فنزعته ذاتية
Subjective
محدودة في أنها تنسب أو تحاول أن تنسب قيمة ذاتية خاصة لحادثات الحياة وظواهرها، وهي في أهم وجوهها عبارة عن معرفة الوجود بشكل عام مطلق مستمد من الرغبات والضرورات الراجعة إلى الشعور أو القلب الكامن وإلى روح الإنسان؛ إذ ترتد إلى النظر في حياتها الداخلية أكثر من نظرها في عالم الطبيعة الخارجي. أما نزعة العلم فيفخر العلماء بأنها غير ذاتية بل موضوعية عامة
Objective .
يصل الدين إلى العالم الخارجي المنظور مزودا بمطالب، يحاول من طريقها أن يخلق جوا ملائما لمجموعة من الرغبات والانفعالات الخاصة. أما العلم فيظهر خلوا من كل شيء، ولا يصل إلى العالم إلا ليعرف الكون من طريق النظر الحسي في طبيعته.
يترك العلم الطبيعة حرة في أن تلقي في روع كل إنسان سرها وروايتها بلغتها الخفية وبلغتها الحقة. أما الدين فلا يرضى للطبيعة أن تتكلم بلغتها، فيضع لها لغة ويتنحي لها أسلوبا من البلاغة مخالفا لبلاغتها. ثم يرجع في كل الظواهر إلى استيفاء أغراضه الأولية، لا إلى الترجمة عن حقائق الكون كما تريد الطبيعة أن تلقيها في روعنا.
هذه هي الحدود الموضوعة للكفايات العقلية الثلاث وما ينتج عنها من صور المعرفة. فلنحاول من ثم تحديد العلاقة الواقعة بينها. (4) العلاقة بين الدين والفلسفة والعلم
2
لقد حدد الأستاذ «تيودور مرتز» هذه العلاقة تحديدا قويما؛ لهذا نعتمد عليه في شرحها وبيانها؛ قال:
هنالك أشياء كثيرة تقوم في عقلية كل فرد من الأفراد: شخصية في طبيعتها ذاتية في مبعثها، ولهذه الأشياء في أنفسنا من الشأن والخطر ما لغيرها من مطالب الحياة وحاجاتها، ومن هذه الأشياء تتكون المادة الحقيقية التي يتركب منها الفكر الخارج عن ميدان العلم، وهي في جوهرها ومظهرها مناظرة للعلم الإثباتي؛ أي إنهما طرفا تناظر. وفي هذا الشطر من الفكر لا يستطيع شخص بذاته أن يقوم بعمل ينتفع به الكثيرون على نفس الطريقة التي تحتذى في العلم. فالأخذ بالبرهان في ذلك الشطر من الفكر مستحيل، والإجماع على شيء فيه لا يضم تحت لوائه إلا عددا قليلا من الناس، وذلك هو الدين.
Página desconocida