وفي إحدى التشريفات قال الخديو عباس لوالدي: «أحب أن أراك ومعك لطفي بسراي القبة يوم السبت.»
فاستجاب أبي إلى هذه الدعوة وسر بها، وطلب مني أن أصحبه إلى سراي القبة، فذهبت معه، فأحسن الخديو استقبالنا، وتكلمنا يومئذ في بعض الشئون العامة، وقال لي: «أنا مسرور لحضورك، والأستاذ جرين كلمني عنك كثيرا.» والأستاذ جرين هو المحامي الذي قدم مذكرة ضد الخاصة الخديوية في قضية شركة الجريدة.
ثم تكلم الخديو عباس عن وزارة محمد سعيد باشا، وكان برما بها، ويريد تغييرها، وسألني عن رأيي في الرجال الذين يصلحون لوزارة جديدة، فذكرت له أسماء عدة؛ منها: سعد زغلول، وعبد العزيز فهمي، وعدلي، وثروت.
ولما انفض المجلس خرج معنا ليودعنا، وهو يقول لي: «قد عرفت الطريق، فتعال عندي كل يوم سبت.»
فقلت له: «يا مولاي ما شأن الكاتب والاتصال بالسلطات؟!»
فقال: «إذن أنت لا تريد أن تأتي عندي!»
قلت: «الواجب علي يا مولاي أن أجيء كلما دعيت.»
فدعا الخديو حافظ بك عوض الذي كان يعمل وفتئذ سكرتيرا خاصا له وطلب منه أن يدعوني كل يوم جمعة، لأحضر إليه يوم السبت، وكذلك كان. •••
وفي يوم من أيام السبت عرضت عليه أن نحمل حملة على الإنجليز نطالبهم فيها أن يساعدونا على أن تكون جزيرة «طشيوز» باليونان تابعة لمصر كما كانت في زمن إسماعيل؛ فإنه كان يرسل إليها دائما قاضيا مصريا وبوليسا مصريا لإدارة الأمن، ثم تراخى الأمر بعد ذلك إلى أن صارت تابعة لتركيا، ثم أصبحت لليونان، فوافق الخديو على هذه الفكرة فطلبت إليه الإذن بأن أطلع على الفرمانات الخاصة بها في السراي، فكلف شفيق باشا بأن يأمر بترجمة هذه الفرمانات إلى اللغة العربية، فترجمت، وبدأت في «الجريدة» حملة على هذا الوجه، مؤداها أن الإنجليز إذا لم يحمونا من اليونان، فممن يحموننا؟! وما كدت أسير في هذه الحملة حتى قال لي في يوم سبت آخر: يخشى أن تقع «سالونيك» ومعها «طشيوز» في حوزة البلغار، وعلى ذلك يكون من الأصلح أن نستبدل بها أطيانا في الضلمان بالأناضول.
وكان غرضه من ذلك أن يوسع بهذه الأطيان تفتيشه في تلك البلاد، فقلت له: يا مولاي لست أدري في المسائل الاقتصادية شيئا يذكر. وطويت أوراقي وصرفت النظر عن «طشيوز».
Página desconocida