Historia de vida
قصة حياة
Géneros
ابراهيم عبد القادر المازني
مقدمة
فتحت عينى أول ما فتحتها فى حداثتى على دنيا تنتزع الكرة من يد الطفل وتقول له: «أتظن نفسك طفلا، له أن يلهو، ومن حقه أن يرتع ويلعب؟ لشد ما ركبك الوهم يا صاحبى! لا كرة ولا لعب. وعليك أن تثب الآن وثبا من هذه الطفولة التى كان ظنك أن ترتع فى ظلها إلى الكهولة دفعة واحدة! حتى الشباب يجب أن تتخطاه وثبا أيضا».
وأنكفى إلى أمى أسألها عن الكرة لماذا حرمتها دون غيرى من لذاتى فلا تقول إنها آسفة ولا إنها ترثى لى، أو أن قلبها يعصره الألم من أجلى، بل تضع راحتها الرخصة على كتفى وتقول لى بصوت متزن: «اسمع يا ابنى إنك لم تعد طفلا، وإنما أنت رجلنا الآن، وسيد البيت ورأس الأسرة وكبيرها! أى نعم. فقد ترك لنا أبوك مالا كان فوق الكفاية ولكن المال ذهب. ولم يبق لنا شىء».
فسألتها: «هل معنى هذا أننا سنجوع ونعرى»؟
فلم ترحمنى. وقالت: «قد نجوع ونعرى! من يدرى؟ ولكن أملى فى الله كبير. وعندى حلى ومتاع لا حاجة بى إليه. فسأبيع من هذا ونقتات ونكتسى. وستواصل التعلم - ما من هذا بد - حتى ينفد المال، وينضب المورد. وعسى أن يكون بعد العسر يسر فما يئست من رحمة الله ولكننى لا أرى أن نعتمد على غير ما بأيدينا، وهو قليل فاعرف هذا، روض نفسك على السكون إليه والنزول إلى حكمه».
قلت: «ولا اللعب»؟
قالت: «بلى، ولكن بغير كرة نضيع فيها مالا بنا حاجة إليه لقوتنا. إن الكرة تشجع على الركض، وتغرى بالنط. فاركض بدونها، ونط بغيرها وسترى أنك لن تخسر شيئا».
فصرت أركض لأن هذا واجبى، وما تتطلبه الحيوية التى لاتزال مقصورة على أعضائى. على حين كان يركض غيرى للهو والتسلية.
فعرفت فى التاسعة من عمرى - وهى سن غضة جدا - أن هناك واجبات تؤدى لذاتها، وحقوقا تقضى لأنها حقوق، لا لأن فيها متعة ولذة. وأحسست من صغرى أن شأنى غير شأن الناس، وإنى فقير وإن كنت مستور الحال. ولكن الستر لا ينفى الشعور بالفقر وغضاضته ومضضه. فأرهف ذلك إحساسى، حتى صار ينحى بمثل حد المبراة على قلبى فيحزه ويقطعه. فنزعت شيئا فشيئا إلى الانقباض عن الناس، واتقاء الخوض معهم فيما يخوضون، مما يستدعى نفقة وتكون فيه كلفة.
Página desconocida