Historia de vida
قصة حياة
Géneros
فأقول «لا شىء.. أحبها، وهذا هو الأول والآخر.. ثم لماذا يكون له آخر»؟
فتقول «إنك طفل.. وهذا غير معقول».
وكان حب هذه الفتاة ينمو على الأيام. كما ينمو شعر رأسى. وقد تحولنا إلى بيت آخر وبعدت الشقة جدا ولم يكن هذا ليمنعنى أن أقطع المدينة من أولها إلى آخرها سيرا على القدمين كل يوم لأزورها. وثابرت على حبها أعواما طوالا ثم زوجوها فى الأرياف فغابت عنى، فغاب الخير والأنس، وغاض السرور من نفسى، وأظلم القلب.
كان هذا وأنا صبى فى الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، وقد مضى ثلث قرن وزيادة على هذا الحب الأول، وزحفت المدينة، وهدم الحى الذى كان فيه بيتها. هدم كله، ورفعت عمائر جديدة، وشقت طرقا، ووسعت ميادين، وغرست أشجارا؛ ومدت قضبانا، وأجرت تراما. وإذ بى فى يوم الأيام أزور هذا الحى وأجوبه شبرا شبرا، وأتمثل ماضيه كيف كان، حتى أهتدى إلى الرقعة التى كان بيتها قائما عليها فأرجع مغتبطا قرير العين، وأزداد اعتزازا بذكرى ذلك الحب.
ولم تبهت ولن تبهت صورة الفتاه وإنى لأراها الآن، كما كنت أراها فى ذلك العصر الحالى، واقفة إلى جانبى وأمامنا على النافذة طبق فيه «لب» تقشره لى ، وتعطينه، لأنى لا أحسن قشره، أو جالسة على حشية تسرح شعرها الدجوجى، وترجله وتضفره، فأميل على رأسها، وأدنى أنفى من شعرها الوحف، وأشمه. وإنى ليخيل إلى أنى أجد طيبه الآن أنفى! وما أقول «يخيل إلى» إلا اتقاء لإنكار القارئ فإن شعورى بذلك أصدق ما يمكن أن يكون شعور إنسان بشىء.. وما زلت أراها، تجرى فى الحارة وراء دجاجة لها شاردة، وأنا أدعوها أن تتريث وتقف هناك، وتخطو مترفقة، على حين أقف أنا فى ناحية أخرى لنحصر الدجاجة بيننا، ونزحف ونضيق على الدجاجة المارقة، وهى تصيح وتضرب بجناحيها، وتحاول الإفلات، فتنحنى الفتاة عليها بغتة لتمسكها، فتأخذ عينى ثدييها الناهدين الراسخين وقد ثقلا بالثوب وأحس هزتهما تحته؛ فيدور رأسى وأذهل عن الدجاجة ولا أعود أدرى أفلتت أم وقعت، فتصيح بى وقد اعتدلت «مالك وقفت وسكت؟ ألا تساعدنى»؟ فأفيق وكأنى عدت من عالم آخر، ولا نزال بالدجاجة حتى نمسكها».
وصورتها وهى على السطح تنشر الثياب على الحبال الممدودة وتثبتها بالمشابك، وقد كشفت عن ساعديها وطوت الكمين فوق المرفق، فبدت البشرة السمراء مضطرمة من أثر الغسل، وجهد الدعك وفعل الصابون.
وصورتها وهى واقفة بفناء البيت تودعنى، وباب السكة موارب، وقد ضممتها إلى صدرى وطوقتها بذراعى، وعكفت على فمها بالقبل الحرار، وكان وجهها إلى الباب، وظهرى إليه فمر رجل من أصدقاء أخى، نعرفه ثرثارة تماما، وتراه فتحاول أن تفلت من عناقى، وأحسبها ضجرت، أتوهمها فترت، فأكتئب، فتصيح «لالا.. هذا الرجل» وتقص على الخبر وتعيد لى بشاشتى وترد إلى روحى الإشراق.
وصورتها وهى راقدة ورأسها على وركى، ويدى على شعرها أمسحه وأتخلله بأصابعى، وألمس خدها الأسيل، وأداعب شفتها الرقيقة بأصبعى، فتغافلنى وتعضه.
كلا، لن تبهت هذه الصور أبدا، ولن تكبر الفتاة أو ترتفع بها السن، أو يزداد عمرها عندى يوما، وستظل على الأيام غضة صغيرة.
ولكنى نسيت اسمها، فكأنى ما عرفته قط ولا سمعت به.
Página desconocida