Historia de la filosofía griega
قصة الفلسفة اليونانية
Géneros
أبيقور.
أسس أبيقور مدرسته قبل أن يؤسس زينو مدرسته بسنة أو سنتين، فسارت المدرستان جنبا إلى جنب متنافستين تنافسا شديدا، على الرغم من أنهما تشتركان في كثير من المواضع.
ولد أبيقور في ساموس سنة 342ق.م، ولما بلغ عامه الثامن عشر انتقل إلى أثينا حيث قضى عاما واحدا، ثم قصد إلى كولوفون، وبقي فيها اثني عشر عاما لا ينقطع عن الدراسة والبحث، معلما نفسه بنفسه، فلما أن كانت سنة 310 أسس مدرسة في ميتيلين
Mitylenes ، ثم نقلها إلى لمبساكوس
Lampsacus
وأخيرا استقر في أثينا سنة 306، وأقام المدرسة في داره وحديقته وأوصى قبل موته أن تخصص للمدرسة من بعده، ومن هنا أطلق على تلاميذه الذين كانوا يوالون الحضور ويحرصون على الاستماع لحديثه اسم «فلاسفة الحديقة» وقد جمعت بين أفرادها كثيرا من النساء والعبيد، هذا وقد اتصل أبيقور عن طريق الرسائل بأصدقائه في الخارج اتصالا لم يفتر ولم ينقطع، يبادلهم الرأي والنظر، وكان أبيقور ذا شخصية محبوبة؛ إذ تعلق به تلاميذه تعلقا مبعثه الإكبار الذي كاد يصل بهم إلى حد التقديس، وقد رسخت منزلته من نفوسهم رسوخا لم يذهب به الموت، بل ازدادوا له بعد موته حبا وإجلالا، وقد بقيت مدرسة أبيقور قائمة نحوا من ستة قرون، وهو الذي وضع أساس مذهبه وأكمله، فلم يزد معتنقو مذهبه شيئا ذا قيمة على ما وضعه هو، ولا غيروا من آرائه.
وقد ألف أبيقور فأفرط في التأليف؛ إذ أخرج نحوا من ثلاثمائة مجلد، على أن يد الزمان قد عبثت بمعظمها فلم تبق لنا من ذلك الخضم الزاخر إلا قطرات ضئيلة، ومن أهم كتبه كتاب «في الطبيعة» ويقع في سبعة وثلاثين جزءا، كذلك وضع ملخصا لفلسفته في أربع وأربعين قضية أراد بها أن تحفظ عن ظهر قلب، ولعل ذلك ما عمل على ذيوع آرائه وسيرورة كلماته بين الناس إلى عهد طويل بعد وفاته، وقد كتب نظرية المعرفة في كتاب عنوانه «القانون»، أما الأخلاق فأشهر كتبه التي وضعها فيها: «في الخير الأسمى» و«ما يجب أن نتجنبه» و«في أنواع الحياة». (1) الفلسفة الأبيقورية (1-1) نظرية المعرفة
لئن كان زينو رأس المدرسة الرواقية قد اعتبر الفلسفة سبيلا تؤدي إلى غاية وراءها، هي الحياة العملية، فقد بالغ أبيقور في ذلك الرأي مبالغة عظيمة، حتى كاد ينبذ الأبحاث العلمية والرياضية نبذا تاما، فهي عنده عبث لا غناء فيه، وليست تطابق الحقائق الواقعة في شيء، ولم يقدر من فروع الفلسفة إلا ما يبحث في الأخلاق ومعيارها الذي يقاس به الخير والشر، أما علم الطبيعة فلا يراد لذاته، ولكن لكي يقفنا على أسباب الأحداث الطبيعية حتى لا تعود تلقي في نفوسنا الرعب، ولا يكون للآلهة تلك الرهبة القديمة، ولا للموت ذلك الأسى المعهود، وأما البحث في الطبيعة البشرية فهو كذلك وسيلة لغاية؛ إذ يحلل لنا نفسية الإنسان فندرك رغباته الحقيقية، فنعلم ما هو خليق بالرغبة فيه، وما هو حقيق بالرغبة عنه.
على هذا الأساس بحث الأبيقوريون في الطبيعة الإنسانية، وانتهوا من بحثهم بنظرية يشرحون بها وصول المعرفة إلى الذهن، أساسها أن الأشياء الجزئية التي نصادفها في الحياة والتي تصلنا عن طريق الحواس هي وحدها الحقيقة، فكل ما تحوي رءوسنا من أفكار وآراء إن هي إلا سلسلة من الإدراكات الحسية التي انبعثت إلينا من الأشياء الخارجية، فانطبعت صورها في أذهاننا. وإذن فالإدراك الحسي هو وحده المقياس الذي نقيس به الحقائق النظرية، أما الجانب العملي من الحياة فمقياسه الشعور باللذة والألم.
وليس من شك في أن هذا الإدراك الحسي مقياس صحيح، فإن وجد الشك إليه سبيلا فمعنى ذلك أننا نفرق بين ما نعرف وما نعمل وذلك مستحيل؛ لأننا نسير في الحياة وفق ما جاءت إلينا بها الحواس من معرفة الظواهر التي نعيش في وسطها. أما هذا الاعتراض الذي يقام عادة في هذا الصدد من أن الحواس كثيرا ما تزل وتخطئ فتنقل إلينا خطأ ووهما في مكان الحقيقة الواقعة فمردود؛ لأنك إن أخطأت فليس خطؤك راجعا إلى الصورة التي نقلها إليك الإدراك الحسي، بل يرجع إلى الحكم الذي وصلت إليه أنت، فلا ريب في أن الحواس نقلت إليك صورة صحيحة لا غبار عليها، ولكن قد يصيبها التغير في ذهنك، فتحكم بأن الصورة الذهنية مطابقة لحقيقتها الخارجية، في حين أنه لا يحق للإنسان أن يقطع بقول في أي صورة ذهنية؛ لأنه لا يعلم إن كان لها في الخارج أصل يطابقها أم لا، وهنا يتركنا الأبيقوريون في حيرة، فلا يدلوننا على طريقة نميز بها الصور التي تمثل الواقع من تلك التي أصابها المسخ والتشويه فليست تمثل في الخارج شيئا.
Página desconocida