Historia de la filosofía griega
قصة الفلسفة اليونانية
Géneros
لم يقبل أرسطو ما عرف به بعضهم المكان من أنه الخلاء أو (الفراغ)، وكان يرى أن المكان الخالي محال، كذلك لم ير ما ذهب إليه بعضهم من أن المكان شيء طبيعي موجود، وإلا لكان هناك جسمان يشغلان محلا واحدا في زمن واحد، أعني الشيء والمكان الذي يملؤه الشيء، وإنما المكان عنده هو السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي.
ويرى أن الزمان هو مقياس الحركة، فهو يعتمد في وجوده على الحركة (وبعبارة أخرى على التغير) ويقيس ما تقدم منها وما تأخر، وإذا لم يكن في العالم حركة لم يكن زمن، وكما يعتمد الزمن في وجوده على حساب الحركة يعتمد أيضا على العقل الذي يقيس، فما لم يوجد عقل يحسب الحركة لم يكن زمن، وقد يعترض عليه بأنه يلزم من ذلك أنه لم يكن هناك زمن قبل وجود الإنسان، ولكن هذا الاعتراض يزول إذا علمنا أن أرسطو يرى أن الإنسان والحيوانات أزلية كأزلية الزمن. •••
نذكر بعد ذلك رأيه في «سلم العالم» ... يرى أرسطو أن العالم متدرج في الرقي، بعضه أرقى من بعض في الوجود وفي القيمة، فهو في هذا ينظر إلى العالم نظرة نشوء وارتقاء، ولكن ليس ذلك بمعنى تحول النوع من شيء إلى آخر أرقى منه بمرور الزمان، فهذا النظر حديث، ولأن أرسطو يرى أن الأجناس والأنواع أزلية أبدية، فأفراد الإنسان يولدون ويموتون، ولكن النوع الإنساني أزلي أبدي، كذلك الشأن في جميع أنواع النبات والحيوان، وإذ كان الأمر كذلك لم يكن هناك تحول من نوع إلى نوع بفعل الزمان كما هو مذهب «داروين» وإنما الترقي عند أرسطو ترق منطقي أو ترق في الفكرة، فالأدنى يحمل بذور الأعلى بالقوة، فالإنسان هو القرد مثليا، والأعلى يحمل بذور الأدنى فعليا، فالإنسان فيه ما في القرد وزيادة، فما هو مضمر مستتر في الجنس السافل ظاهر جلي في الجنس العالي، فالصورة التي تحارب للظهور في السافل، تحققت وانتصرت في العالي، ومن ثم فالعالم كله سلسلة أو سلم ذو درجات، ولكن لا تتحول فيه الأنواع على مرور الزمن إلى أنواع أرقى.
وأكبر مظهر لهذا التدرج هو تركيب البنية أو كما سماه هو «العضوية »
organization ، وإذا نحن نظرنا إلى العالم من هذه الناحية، فأول ما يلفت نظرنا انقسامه إلى أجسام عضوية وغير عضوية (وهذا التقسيم واختيار الألفاظ للدلالة عليه من وضع أرسطو) ففي أدنى درجات السلم الأجسام اللاعضوية، وفيها تضعف «الصورة » حتى تكاد تكون هيولى بلا صورة، ومع هذا فلها من غير شك صورة، وهي ككل شيء تتحرك لغاية، ولكن غاية الأجسام اللاعضوية خارجة عنها، فهي تتحرك إلى الغاية بقوة خارجية كما نعبر عنها الآن بقوة الجاذبية.
أما الأجسام العضوية فغايتها فيها، فهي تحقق نفسها بنفسها، فهي تنمو، وليس نموها مجرد حركة ميكانيكية كما نضع حجرا على حجر، وإنما نموها من الداخل، وتحويل لما في الخارج إلى داخل للوصول إلى الغاية.
وفي الأجسام العضوية تتجلى الصورة أكثر من تجليها في الأجسام اللاعضوية، ونظامها الداخلي أتم، وهذا التنظيم الداخلي هو ما نسميه روح الجسم العضوي أو نفسه، فعمل النفس - حتى في الإنسان - ليست إلا تنظيم البدن وتوضيح العلاقة بين الهيولى والصورة، وهذه النفس الحية في الأجسام العضوية درجات بعضها فوق بعض، فالراقي منها هو ما كان أكثر تحقيقا للصورة.
وأول ما يسعى إليه الجسم العضوي تحقيق شخصه ونوعه، فللأول وهو يتغذى، وللثاني هو ينسل، وأحط درجات الجسم العضوي ما اقتصر على هذين العملين: التغذي والنسل، وهذا هو النبات، وقد أفاض أرسطو في تقسيم النبات إلى أنواع وتدرجه حسب قدرته على هذين الوظيفتين.
ويلي النبات في الرقي الحيوان، وإذ كان النوع الراقي فيه ما في السافل وزيادة، كان الحيوان يشارك النبات في التغذي والنسل ويزيد في الحس، فالإدراك بالحواس خاصة من خصائص الحيوان لا النبات، ويتبع وجود الحس الشعور باللذة والألم؛ لأن اللذة حس سار والألم عكسه، وتبع هذا وجود الدافع للبحث عن اللذيذ وتجنب المؤلم، وهذا لا يكون إلا بالقدرة على الحركة؛ ولهذا كان أكثر الحيوان قادرا على التنقل بخلاف النبات، لأنه لا يشعر بلذة ولا ألم، فلا يسعى لتحصيل الأول والفرار من الثاني، وكما فعل في النبات فعل في الحيوان، فقسمه إلى أنواع متدرجة تبعا لأداء وظيفته.
ويلي الحيوان في الرقي الإنسان، وله ما للحيوان والنبات من تغذ ونسل وحس ويزيد عليها «العقل»، وهو المميز له عن باقي النبات والحيوان، وهو أهم وظيفة له، ثم أخذ يشرح هذه النفس العاقلة، فرأى أنه من السخافة ما ذهب إليه أفلاطون من تقسيم النفس إلى أجزاء؛ لأن النفس شيء واحد لا يتجزأ، والأعمال التي تصدر عنها وإن كانت مختلفة، فإن هذا الاختلاف ليس معناه أن هذه الأعمال صادرة من أجزاء مختلفة، بل معناه أنها مظاهر مختلفة لشيء واحد، كالزجاجة الواحدة، محدبة من إحدى مناظرها ومقعرة من الناحية الأخرى، وهي هي واحدة.
Página desconocida