Historia de la filosofía griega
قصة الفلسفة اليونانية
Géneros
هذا التعاون هو العدل، وتلك هي الدولة العادلة.
لقد بدأ أفلاطون بحثه بالسؤال عن العدل، وأخذ يستطرد في قضاياه، ويوسع في نطاق البحث حتى انتهى إلى ما أراد الوصول إليه، وعرف العدل بأنه: «أداء الفرد لواجبه وامتلاكه لما يخصه.» ومعنى هذا أن كل فرد يجب أن يحصل على ما يساوي إنتاجه، وأن يؤدي العمل الذي يلائم طبيعته، والرجل العدل هو الذي يعرف قدر نفسه فيضعها في موضعها الصحيح، وهو الذي يبذل كل ما في وسعه من مجهود لينتج بمقدار ما يربح.
والعدل في المجتمع هو كهذا التناسق الذي يسود الكواكب في تحركها:
لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون
وهكذا في المجتمع يجب أن يسعى كل فرد في نطاقه دون أن يبغي على غيره بإثم أو عدوان، أما أن يتطلع رجال الأعمال إلى مناصب الحكم، أو يستولي قواد الجيش بقوة جندهم على السلطة في الدولة فاختلال في تعاون الأجزاء، وانحلال في الرابطة التي تصل عناصر المجتمع، وكل ذلك يؤدي حتما إلى دمار المجتمع وخرابه، فالعدل هو التعاون بين الأجزاء.
والعدل في الفرد هو - كالعدل في الدولة - تعاون بين أعضاء الجسم وأجزاء النفس، فكل إنسان عالم يضطرب بالشهوات والعواطف والأفكار، فإذا ما تعاونت هذه القوى وتناسقت كان الفرد قويا في معترك الحياة، أما إذا اختل التوازن بينها، وطغت قوة منها على قوة أخرى، فكانت العاطفة مثلا هي المالكة زمام الإنسان في عمله بدل عقله، أو حاول العقل أن يكون هو كل شيء بدل أن يقتصر على الهداية فقط تفككت وحدة الشخصية وسارت حتما إلى الفشل، فالعدل هو ترتيب أجزاء النفس ترتيبا جميلا، وهو للنفس بمثابة الصحة للجسم، ومبعث الرذيلة كلها خلل في التوافق بين الإنسان والطبيعة، أو بين الإنسان والإنسان، أو بين الإنسان ونفسه.
هذه هي المدينة الفاضلة كما تصورها أفلاطون، ولم ينقطع توجيه النقد إليها منذ عهدها إلى اليوم، ومع هذا فلم تزل توحي الأفكار، وتبعث الآراء، وتهدي الحكماء.
8 (8) نظرة في فلسفة أفلاطون
إن نظرية المثل من فلسفة أفلاطون هي كالقطب من الرحى فهي تدور حولها، وتقوم على أساسها، فرأيه في الله ورأيه في الطبيعة وفي النفس، ورأيه في الأخلاق وفي الدولة وفي الفن، كل هذه فروع مستنبطة من نظرية المثل التي لم تكن ثمرة أفلاطونية مباشرة، بل هي مزيج من الفلسفة الإيلية وفلسفة هرقليطس وفلسفة سقراط اجتمع في ذهن أفلاطون فاستحال إلى لون جديد من الفلسفة مطبوع بطابعه، وأساسه التفريق بين العقل والحس، وحتى هذا التفريق بين العنصرين لم يكن من خلق أفلاطون، إنما بدأ منذ فلاسفة المدرسة الإيلية، فكان بارمنيدس أول من أشار إلى ما بينهما من خلاف، وذهب إلى أن الحقيقة لا يمكن أن يصل إليها الإنسان إلا بطريق العقل وحده؛ لأن الحواس غاشة خادعة، ولما أن جاءت السوفسطائية حاولت أن تعترض هذا المجرى الفكري الجديد الذي يميل إلى نبذ الحواس وإنكارها، وبذلت جهدا كبيرا في محو هذا الحد الفاصل بين العقل والحس، وحصرت المعرفة فيما تأتي به الحواس من علم، فكأنما كانت تعاليمهم هذه داعية إلى استنهاض الفكر لصدها قبل أن يستفحل أمرها ويتسع نطاقها، فتصدى لهم سقراط وفي أثره أفلاطون، وردا ما زعمته السوفسطائية: فأنكرا أن تكون الحواس وسيلة للعلم الصحيح، وذهبا إلى أن المعرفة عبارة عن الإدراكات الكلية، وهذه من تحصيل العقل وحده، ثم أضاف أفلاطون إلى أن هذه الإدراكات الكلية ليست طريقة يسلكها العقل في التفكير فحسب، بل إنها لتمثل حقائق خارجية موجودة بالفعل، فنشأت بذلك نظرية المثل.
ولا بد لكل نظام فلسفي من فكرة رئيسية تكون محوره، ويمكن أن يفسر بها كل ظواهر الكون على اختلاف ألوانها، بحيث توضح في غير لبس أو غموض كيف نشأ هذا العالم المحس الذي نعيش فيه من تلك الفكرة المجردة، كما يجب أن تكون هذه الفكرة نفسها التي يتخذها الفيلسوف أساسا صدرت عنه الكائنات مفسرة لنفسها، فلا يحتاج فهمها إلى الرجوع إلى شيء سواها خارج عن حدودها، فهل استطاع أفلاطون أن يفسر بالمثل - وهي أساس نظامه الفلسفي - هذا العالم الموجود الذي نراه ونلمسه؟ وهل هذه المثل تشرح نفسها بنفسها؟ هذان السؤالان هما في الواقع مقياس دقيق تستطيع أن تختبر به كل النظم الفلسفية لتعلم مقدار الخطأ والقصور في أي نظام شئت، فإن أمكنك أن تفسر الكون بالحقيقة المجردة التي يتخذها الفيلسوف مركزا لنظامه، وكانت هذه الحقيقة المجردة المركزية قادرة على تعليل نفسها بنفسها، فالفلسفة التي بين يديك صحيحة قوية، وإلا فهي قاصرة بمقدار عجزها عن تعليل العالم أولا، وتعليل نفسها ثانيا.
Página desconocida