Historia de la filosofía griega
قصة الفلسفة اليونانية
Géneros
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
منذ سنين عهد إلي بتدريس علم الأخلاق في مدرسة القضاء، فساقني ذلك إلى دراسة الفلسفة؛ لأن الأخلاق فرع من فروعها، ولا يفهم الفرع حق الفهم إلا إذا فهم الأصل، وكان من أثر هذا العهد ترجمتي كتاب «مبادئ الفلسفة»، للدكتور أ. س. رابوبورت، وتمنيت في مقدمته أن يكون «طليعة كتب واسعة تظهر في هذا الموضوع النافع»، ثم تعاقبت الأزمان وانقضت السنون وانصرفت عن الفلسفة إلى غيرها، ولم يقع - مع الأسف - ما تمنيت، ولم يخرج إلى اللغة العربية من الكتب الفلسفية ما يشفي علة أو ينقع غلة، إلا العمل الجليل الذي اضطلع به أستاذنا «أحمد لطفي السيد بك» من ترجمة كتب أرسطو «الأخلاق» و«الكون والفساد» و«الطبيعة»، ولكنها مع جلالتها وعلو قيمتها - وإن شئت فقل لجلالتها وعلو قدرها - لا تناسب إلا الخاصة أو خاصة الخاصة؛ لعمقها وتطلبها الجهد في فهمها، وحاجتها إلى كتب أولية في الفلسفة تهدي إلى غايتها.
حتى إذا عرضت لوصف الحياة العقلية عند العرب وألفت في ذلك «فجر الإسلام» و«ضحاه»، ووصلت في التأليف إلى المعتزلة والمتكلمين في العصر العباسي رأيت أنهم تعرضوا لمسائل هي من صميم الفلسفة اليونانية، ورأيت أن لا بد لفهمها من الرجوع إلى منابعها؛ لأعرف كيف فهموها وكيف نقلوها وما الذي زادوا عليها، فاضطررت إلى العودة إلى كتب الفلسفة أستعرض مسائلها، وأتفهم غوامضها، ورأيت مؤلفي العرب كالشهرستاني والقفطي وأمثالهما قد خلطوا حقا وباطلا، فكثيرا ما نسبوا القول إلى غير قائله، وترجموا حياة الفيلسوف ترجمة لا يقرها التاريخ الصحيح، وخلعوا عليها من خيالهم الإسلامي ما لا يتفق وحياة الفلاسفة اليونانيين الوثنيين، فكان لا بد من الرجوع إلى الكتب الأجنبية التي خطت خطوات فسيحة في تعرف الصواب، بما استكشفوا من آثار، وعثروا عليه من كتب، ومحصوا من آراء.
وقبل ذلك شعر هذا الشعور الأستاذ «سانتلانا» عند دراسته للفلسفة الإسلامية في الجامعة المصرية، فقد قال في مقدمة محاضراته: «إذا لم يكن من السائغ لذي أدب من الإفرنج أن يجهل ما كان عليه حكماء اليونان، فكيف يسوغ ذلك لمصري ومسلم؟ والعلوم الإسلامية مؤسسة منذ بدء نشأتها على علوم اليونان وأفكار اليونان، بل وعلى أوهام اليونان، حتى لا يكاد يفهم آراء حكماء الإسلام، ولا مذاهب قدماء المتكلمين، ولا بدع المبتدعين، من لم يكن له بحكمة اليونان معرفة شافية لا مجرد إلمام، وهذا لا يحتاج إلى برهان، بل نعول فيه على العيان، فصار هذا التاريخ والحالة هذه كالمقدمة الضرورية لتاريخ التمدن الإسلامي، لا يسع أحدا من هذه الأمة إهماله، ولا طالب الحكمة جهله.»
فلما عاودت القراءة في الفلسفة بدت مني رغبة في أن أكتب خلاصة ما أقرأ فذلك أدعى إلى وضوح الفكرة في ذهني، وإلى أن ينتفع - بما انتفعت به - غيري، وكان من حسن حظي أن رأيت أخي وزميلي الأستاذ «زكي نجيب محمود» يرغب رغبتي ويتمنى أمنيتي، فتعاونا معا على إخراج هذا الكتاب وتقديمه للقراء.
وليس لنا فيه أفكار جديدة ولا آراء مبتكرة، فلسنا من علماء الفلسفة المتخصصين لها والمتبحرين فيها، وكل عملنا أننا قرأنا الموضوع في كتب متعددة وأخذنا خلاصتها، وصغناه صياغة أقرب إلى ذهن القارئ العربي، وتخيرنا ما هو أنسب له وأقرب إلى ذوقه، فليس عملنا تأليفا بالمعنى الدقيق للتأليف، ولا ترجمة بالمعنى الدقيق للترجمة؛ ولذلك اخترنا للدلالة على ما عملنا كلمة «تصنيف»، فلعلها أدل على القصد، وأصدق في الوصف.
راعينا فيه قدر الإمكان وضوح الفكرة وبساطة التعبير حتى أسميناه «قصة»، كما راعينا الاقتصار على أهم المسائل وأصولها دون التوسع في فروعها وجزئياتها . •••
ثم تطورت الفكرة من تقيد بنقل صورة للفلسفة اليونانية إلى نقل صورة بسيطة للفلسفة عامة، من فلسفة إسلامية وفلسفة حديثة، واتسع الأمل في إخراج «سلسلة فلسفية» تشمل تاريخ الفلسفة في جميع عصورها، كما تشمل كتبا صغيرة تصف أشهر المذاهب الفلسفية وأشهر رجالها، ودعا ذلك إلى أن أوسع دائرة ما يحقق هذه الرغبة، ويملأ هذا الفراغ.
وكان من أكبر ما بعث على هذا التطور أني رأيت أكثر الأدب الذي يخرجه العالم الشرقي أدبا خفيف الوزن، تنقصه عمق الفكرة، وغزارة المادة، يعنى بالشكل أكثر مما يعنى بالموضوع، ويلعب بالألفاظ ولا يلعب بالمعاني، وأنه لا بد للأديب الحق من وقوف تام على علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الجمال، وبالجملة على فروع الفلسفة، فذلك يجعل نتاجه أقوم، وتفكيره أعمق، وأفقه أوسع، ومنابع تفكيره أغزر، ويحمله على أن يفلسف الأدب، ولا يتسنى ذلك إلا إذا أدبنا له الفلسفة.
Página desconocida