Historia de la filosofía griega
قصة الفلسفة اليونانية
Géneros
فيثاغورس.
أطلق عليهم هذا الاسم نسبة إلى زعيمهم فيثاغورس
، وهو شخصية قوية رائعة تستوقف النظر بين صفحات التاريخ، ولكنها مبهمة غامضة، لا تكاد تستبين العين قسماتها في وضوح وجلاء، فكأنما هو عملاق يروح ويغدو وراء ستار، فلا يرى منه الرائي إلا ظلا هائلا يتردد في جيئة وذهاب، وإنما طمست معالمه لاختلاف الرواية في ترجمته اختلافا واسعا، ولما شاع عنه من الأساطير والقصص، فبين أيدينا تراجم ثلاث كتبت عنه بعد موته بمئات السنين، فانتحلت له من الأخبار والمعجزات ما شاء وهم كاتبيها، حتى أصبح فيثاغورس أقرب إلى أبطال الخيال منه إلى أشخاص التاريخ.
ومهما يكن من أمر هذا الخلاف في ترجمة حياته، فقد استطاع المؤرخون أن يستخرجوا من أشتات الروايات طائفة من الحقائق الصحيحة: ولد فيثاغورس بين سنتي 580 و570ق.م في جزيرة «ساموس»
1
حيث درج في طفولته وشبابه، ثم هاجر منها إلى كروتونا
Crotona
في جنوبي إيطاليا، ويقال إنه عرج على مصر وبعض بلاد الشرق فطاف في أرجائها قبل أن يلقي عصا تسياره في كروتونا، ولم يكد يستقر فيها حتى أنشأ الجمعية الفيثاغورية، وظل على رأسها يقودها ويدبر أمرها بقية حياته، ولم تكن تلك الجمعية في أول أمرها مدرسة فلسفية، بل كانت جمعية تدعو إلى الإصلاح الديني ومكارم الأخلاق، وطهارة النفس من الرجس والدنس، وكان أعضاؤها يرتدون لباسا أبيض شعارا لهم، قد آثروا في عيشهم الخشونة والتقشف؛ لأن الجسم لم يكن في رأيهم إلا سجنا حبس فيه الروح، فينبغي أن نحطم من قيوده وأغلاله ما وسعنا التحطيم، ولا بد لنا أن نسلك بنفوسنا كل سبيل لتخليصها من سجنها على ألا يكون الانتحار سبيلا مشروعا؛ «لأن الإنسان ملك لله».
ولعل ما حدا بفيثاغورس إلى إنشاء هذه الجمعية رغبة قديمة كان يطمح إلى تحقيقها منذ شبابه؛ ذلك أن طاغية جبارا يدعى «بوليكراتس» كان يحكم ساموس وطن فيثاغورس، وكان يسوم أهله الذل والعذاب، فكان ذلك حافزا لفيثاغورس في مستهل حياته على التفكير في النظم الاجتماعية القائمة، ومن أي نواحيها أصيبت بالفساد، فلما اكتمل نضوجه العقلي، وكتبت له الزعامة الفكرية وهو في كروتونا أراد أن يكون جماعة مثالية، تحقق المثل الأعلى الذي ينشده، فوثق بين أعضائها برباط الإخاء، ودعاهم أن يسلكوا في الحياة صراطا مستقيما يلتزمونه مهما كلفهم ذلك من عناء.
ولم تكن هذه الجماعة سياسية بالمعنى الذي نفهمه اليوم، ولكن سرعان ما اصطدمت شعائرهم ونظمهم بالسياسة؛ لأنهم أرادوا أن ينشروا مبادئهم ويفرضوا تعاليمهم على أهل «كروتونا»؛ فنتج عن ذلك اضطهاد الحكومة للفيثاغوريين، فأحرقت مكان اجتماعهم، وفرقت شملهم، وقتلت بعضهم وشردت آخرين، غير أن الجماعة استردت قوتها بعد، واستمرت في عملها، ولكن لم يسمع عنها شيء يستحق الذكر بعد القرن الخامس قبل الميلاد.
Página desconocida